﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ ﴾ [النحل : ١٧] أي الله تعالى ﴿ كَمَن لا يَخْلُقُ ﴾ [النحل : ١٧] أي الأصنام وجيء بمن الذي هو لأولى العلم لزعمهم حيث سموها آلهة وعبدوها فأجروها مجرى أولي العلم، أو لأن المعنى أن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم فكيف بما لا علم عنده وإنما لم يقل أفمن لا يخلق كمن يخلق مع اقتضاء المقام بظاهره إياه لكونه إلزاماً للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيهاً بالله لأنهم حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له فقد جعلوا الله من جنس المخلوقات وشبيهاً بها فأنكر عليهم ذلك بقوله أفمن يخلق كمن لا يخلق وهو حجة على المعتزلة في خلق الأفعال ﴿ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ﴾ [يونس : ٣] فتعرفون فساد ما أنتم عليه ﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَآ ﴾ [إبراهيم : ٣٤] لا تضبطوا عددها ولا تبلغه طاقتكم فضلاً أن تطيقوا القيام بحقها من أداء الشكر وإنما اتبع ذلك ما عدد من نعمه تنبيهاً على أن ما رواءها لا ينحصر ولا يعد ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النحل : ١٨] يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكر النعمة ولا يقطعها عنكم لتفريطكم ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ [النحل : ١٩] من أقوالكم وأفعالكم وهو وعيد ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ ﴾ [النحل : ٢٠] والآلهة الذين يدعوهم الكفار ﴿ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ [يس : ٧٤] وبالتاء غير عاصم ﴿ لا يَخْلُقُونَ شيئا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ [النحل : ٢٠] ﴿ أَمْوَاتٌ ﴾ أي هم أموات ﴿ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النحل : ٢١] نفى عنهم خصائص الإلهية بنفي كونهم خالقين وأحياء لا يموتون وعالمين بوقت البعث وأثبت لهم صفات الخلق بأنهم مخلوقون أموات جاهلون بالبغيب، ومعنى أموات غير أحياء أنهم لو كانوا آلهة على الحقيقة لو كانوا أحياء غير أموات أي غير جائز عليها الموت وأمرهم بالعكس من ذلك والضمير في يبعثون للداعين أي لا يشعرون متى تبعث عبدتهم وفيه تهكم بالمشركين وأن آلهتهم لا يعلمون وقت
٤٠٨
بعثهم فكيف يكون لهم وقت جزاء أعمالهم منهم على عبادتهم وفيه دلالة على أنه لا بد من البعث
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٨
﴿ إِلَـاهُكُمْ إِلَـاهٌ وَاحِدٌ ﴾ [فصلت : ٦] أي ثبت بما مر أن الإلهية لا تكون لغير الله وأن معبودكم واحد ﴿ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ ﴾ [النحل : ٢٢] للوحدانية ﴿ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴾ [النحل : ٢٢] عنها وعن الإقرار بها ﴿ لا جَرَمَ ﴾ [النحل : ٢٣] حقا ﴿ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [البقرة : ٧٧] أي سرهم وعلانيتهم فيجازيهم وهو وعيد ﴿ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾ [النحل : ٢٣] عن التوحيد يعني المشركين ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُم ﴾ [البقرة : ٩١] لِهؤلاء الكفار ﴿ مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ ﴾ [النحل : ٢٤] ماذا منصوب بأنزل أي أي شيء أنزل ربكم أو مرفوع على الابتداء أي أي شيء أنزله ربكم وأساطير خبر مبتدأ محذوف قيل هو قول المقتسمين الذين اقتسموا مداخل مكة ينفّرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا سألهم وفود الحاج عما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم قالوا أساطير الأولين أي أحاديث الأولين وأباطيلهم واحدتها أسطورة وإذا رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخبرونهم بصدقه وأنه نبي فهم الذين قالوا خيراً ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم ﴾ [النحل : ٢٥] أي قالوا ذلك إضلالاً للناس فحملوا أوزار ضلالهم كاملة وبعض أوزار من ضل بضلالهم وهو وزر الإضلال أن المضل والضال شريكان واللام للتعليل
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٩
﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [النحل : ٢٥] حال من المفعول أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال ﴿ أَلا سَآءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [الأنعام : ٣١] محل ما رفع ﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَـانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ ﴾ [النحل : ٢٦] أي من جهة القواعد وهي الأساطين وهذا تمثيل يعني أنهم سوّوا منصوبات ليمكروا بها
٤٠٩