﴿ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى ﴾ [النحل : ٣٨] هو إثبات لما بعد النفي أي بلى يبعثهم ﴿ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ﴾ [التوبة : ١١١] وهو مصدر مؤكد لما دل عليه بلى لأن يبعث موعد من الله وبين أن الوفاء بهذا الوعد حق ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف : ١٨٧] أو وعده حق أو أنهم يبعثون
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٢
﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ﴾ [النحل : ٣٩] متعلق بما دل عليه بلى أي يبعثهم ليبين لهم والضمير لمن يموت وهو يشمل المؤمنين والكافرين ﴿ الَّذِى يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴾ [النحل : ٣٩] هو الحق ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَـاذِبِينَ ﴾ [النحل : ٣٩] في قولهم لا يبعث الله من يموت ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْءٍ إِذَآ أَرَدْنَـاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [النحل : ٤٠] أي فهو يكون وبالنصب شامي وعلي، على جواب.
كن قولنا مبتدأ وأن نقول خبره وكن فيكون من كان التامة التي بمعنى الحدوث والوجود أي إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له أحدث فهو يحدث بلا توقف وهذه عبارة عن سرعة الإيجاد تبين أن مراداً لا يمتنع عليه وأن وجود عند إرادته غير متوقف كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع المتمثل ولا قول ثَم والمعنى أن إيجاد كل مقدور على الله بهذه السهولة فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من بعض المقدورات ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِى اللَّهِ ﴾ [النحل : ٤١] في حقه ولوجهه ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ﴾ [النحل : ٤١] هم رسول الله وأصحابه ظلمهم أهل مكة ففروا بدينهم إلى الله منهم من هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة فجمع بين الهجرتين ومنهم من هاجر إلى المدينة ﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾ [النحل : ٤١] صفة للمصدر أي تبوئة حسنة أو لنبوئنهم مباءة حسنة وهي المدينة حيث آواهم أهلها ونصروهم ﴿ وَلاجْرُ الاخِرَةِ أَكْبَرُ ﴾ [النحل : ٤١] الوقف لازم عليه لأن جواب ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ١٠٢] محذوف والضمير للكفار أي لو علموا ذلك لرغبوا في الدين أو للمهاجرين أي لو كانوا يعلمون لزادوا في اجتهادهم وصبرهم ﴿ الَّذِينَ صَبَرُوا ﴾ [النحل : ٩٦] أي هم الذين صبروا أو أعني الذين صبروا وكلاهما مدح أي صبروا على مفارقة الوطن الذي هو حرم الله المحبوب في كل قلب فكيف
٤١٣
بقلوب قوم هو مسقط رؤوسهم وعلى المجاهدة وبذل الأرواح في سبيل الله ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الانفال : ٢] أي يفوضون الأمر إلى ربهم ويرضون بما أصابهم في دين الله.
ولما قالت قريش : الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً نزل
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٣
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُّوحِى إِلَيْهِمْ ﴾ [يوسف : ١٠٩] على ألسنة الملائكة.
نوحي حفص ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن ﴾ أهل الكتاب ليعلموكم أن الله لم يبعث إلى الأمم السالفة إلا بشراً وقيل للكتاب الذكر لأنه موعظة وتنبيه للغافلين ﴿ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل : ٤٣] بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ } أي بالمعجزات والكتب والباء يتعلق برجالاً صفة له أي رجالاً ملتبسين بالبينات أو بأرسلنا مضمراً كأنه قيل بم رسل فقيل بالبينات أو بيوحي أي يوحى إليهم بالبينات أو بلا تعلمون، وقوله : فاسألوا أهل الذكر اعتراض على الوجوه المتقدمة وقوله ﴿ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الذِّكْرَ ﴾ [النحل : ٤٤] القرآن ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل : ٤٤] في الذكر مما أمروا به ونهوا عنه ووعدوا به وأوعدوا ﴿ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل : ٤٤] في تنبيهاته فينتبهوا ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّـاَاتِ ﴾ [النحل : ٤٥] أي المكرات السيئات وهم أهل مكة وما مكروا به رسول الله عليه السلام ﴿ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الارْضَ ﴾ [النحل : ٤٥] كما فعل بمن تقدمهم ﴿ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [النحل : ٤٥] أي بغتة ﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ ﴾ [النحل : ٤٦] متقلبين في مسايرهم ومتاجرهم ﴿ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ﴾ [النحل : ٤٦] ﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ﴾ [النحل : ٤٧] متخوفين وهو أن يهلك قوماً قبلهم فيتخوفوا
٤١٤