وأي شيء اتصل بكم من نعمة عافية وغنى وخصب ﴿ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل : ٥٣] فهو من الله ﴿ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ ﴾ [النحل : ٥٣] المرض والفقر والجدب ﴿ فَإِلَيْهِ تَجْـاَرُونَ ﴾ [النحل : ٥٣] فما تتضرعون إلا إليه والجؤار رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة ﴿ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [النحل : ٥٤] الخطاب في وما بكم من نعمة إن كان عاماً فالمراد بالفريق الكفرة وإن كان الخطاب للمشركين فقوله منكم للبيان لا للتبعيض كأنه قال فإذا فريق كافر وهم أنتم ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر كقوله ﴿ فَلَمَّا نَجَّـاـاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ﴾ [لقمان : ٣٢]
٤١٦
﴿ لِيَكْفُرُوا بِمَآ ءَاتَيْنَـاهُمْ ﴾ [النحل : ٥٥] من نعمة الكشف عنهم كأنهم جعلوا غرضهم في الشرك كفران النعمة ثم أوعدهم فقال ﴿ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل : ٥٥] هو عدول إلى الخطاب على التهديد ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَـاهُمْ ﴾ [النحل : ٥٦] أي لآلهتهم ومعنى لا يعلمون أنهم يسمونها آلهة ويعتقدون فيها أنها تضر وتنفع وتشفع عند الله وليس كذلك لأنها جماد لا تضر ولا تنفع أو الضمير في لا يعلمون للآلهة أي لأشياء غير موصوفة بالعلم ولا تشعر أجعلوا لها نصيباً في أنعامهم وزروعهم أم لا وكانوا يجعلون لهم ذلك تقرباً إليهم ﴿ تَاللَّهِ لَتُسْـاَلُنَّ ﴾ [النحل : ٥٦] وعيد ﴿ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ ﴾ [النحل : ٥٦] من أنها آلهة وأنها أهل للتقرب إليها ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَـاتِ ﴾ [النحل : ٥٧] كانت خزاعة وكنانة تقول الملائكة بنات الله ﴿ سُبْحَـانَهُ ﴾ تنزيه لذاته من نسبة الولد إليه أو تعجب من قولهم ﴿ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ ﴾ [النحل : ٥٧] يعني البنين ويجوز في ما الرفع على الابتداء ولهم الخبر والنصب على العطف على البنات، وسبحانه اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه أي وجعلوا لأنفسهم ما يشتهون من الذكور ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالانثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا ﴾ [النحل : ٥٨] أي صار فظل وأمسى وأصبح وبات تستعمل بمعنى الصيرورة لأن أكثر الوضع يتفق بالليل فيظل نهاره مغتماً مسود الوجه من الكآبة والحياء من الناس ﴿ وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [النحل : ٥٨] مملوء حنقاً على المرأة ﴿ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُواءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ﴾ [النحل : ٥٩] يستخفى منهم من أجل سوء
٤١٧
المبشر به ومن أجل تعييرهم ويحدث نفسه وينظر ﴿ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ ﴾ [النحل : ٥٩] أيمسك ما بشر به على هون وذل ﴿ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ ﴾ [النحل : ٥٩] أم يئده ﴿ أَلا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل : ٥٩] حيث يجعلون الولد الذي هذا محله عندهم لله ويجعلون لأنفسهم من هو على عكس هذا الوصف
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٦
﴿ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ﴾ [النحل : ٦٠] صفة السوء وهي الحاجة إلى الأولاد الذكور وكراهة الإناث، ووأدهن خشية الإملاق ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الاعْلَى ﴾ [النحل : ٦٠] وهو الغني عن العالمين والنزاهة عن صفات المخلوقين ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ [إبراهيم : ٤] الغالب في تنفيذ ما أراد ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في إمهال العباد ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم ﴾ [النحل : ٦١] بكفرهم ومعاصيهم ﴿ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا ﴾ [النحل : ٦١] على الأرض ﴿ مِن دَآبَّةٍ ﴾ [الجاثية : ٤] قط ولأهلكها كلها بشؤم ظلم الظالمين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه : إن الحبارى لتموت في وكرها بظلم الظالم وعن ابن مسعود رضي الله عنه كاد الجعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم وعن ابن عباس رضي الله عنهما من دابة من مشرك يدب ﴿ وَلَـاكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمّىً ﴾ [النحل : ٦١] أي أجل كل أحد أو وقت تقتضيه الحكمة أو القيامة ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ ما يكرهونه لأنفسهم من البنات ومن شركاء في رياستهم ومن الاستخفاف برسلهم ويجعلون له أرذل أموالهم ولأصنامهم أكرمها ﴿ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ ﴾ [النحل : ٦٢] مع ذلك أي ويقولون الكذب ﴿ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى ﴾ [النحل : ٦٢] عند الله وهي الجنة إن كان البعث حقاً كقوله
٤١٨


الصفحة التالية
Icon