﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّـاكُمْ ﴾ [النحل : ٧٠] بقبض أرواحكم من أبدانكم ﴿ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ﴾ [النحل : ٧٠] إلى أخسه وأحقره وهو خمس وسبعون سنة أو ثمانون أو تسعون ﴿ لِكَىْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾ [النحل : ٧٠] لينسى ما يعلم أو لئلا يعلم زيادة علم على علمه ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ ﴾ [آل عمران : ١١٩] بحكم التحويل إلى الأرذل من الأكمل أو إلى الإفناء من الإحياء ﴿ قَدِيرٌ ﴾ على تبديل ما يشاء كما يشاء من الأشياء ﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الرِّزْقِ ﴾ [النحل : ٧١] أي جعلكم متفاوتين في الرزق فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهم بشر مثلكم ﴿ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا ﴾ [النحل : ٧١] في الرزق يعني الملاك ﴿ بِرَآدِّى ﴾ بمعطي ﴿ رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُمْ ﴾ [النحل : ٧١] فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم حتى تتساووا في الملبس والمطعم ﴿ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ ﴾ [النحل : ٧١] جملة اسمية وقعت في موضع جملة فعلية في موضع النصب لأنه جواب النفي بالفاء وتقديره فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا مع عبيدهم في الرزق وهو مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء فقال لهم : أنتم لا تسوون بينكم وبين عبيدكم فيما أنعمت به عليكم ولا تجعلونهم فيه شركاء ولا ترضون ذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء ﴿ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [النحل : ٧١] وبالتاء أبو بكر فجعل ذلك من جملة جحود النعمة
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ﴾ [النحل : ٧٢] أي من جنسكم ﴿ وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً ﴾ [النحل : ٧٢] جمع حافد وهو الذي يحفد أي يسرع في الطاعة والخدمة ومنه قول القانت :
وإليك نسعى ونحفد
واختلف فيه فقيل : هم الأختان على البنات وقيل : أولاد الأولاد والمعنى وجعل لكم حفدة أي خدماً يحفدون
٤٢٢
في مصالحكم ويعينونكم ﴿ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَـاتِ ﴾ [النحل : ٧٢] أي بعضها لأن كل الطيبات في الجنة وطيبات الدنيا أنموذج منها ﴿ أَفَبِالْبَـاطِلِ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل : ٧٢] هو ما يعتقدونه من منفعة الأصنام وشفاعتها ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ ﴾ [النحل : ٧٢] أي الإسلام ﴿ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾ [النحل : ٧٢] أو الباطل الشيطان والنعمة محمد صلى الله عليه وسلّم أو الباطل ما يسول لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة وغيرهما ونعمة الله ما أحل لهم ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ شيئا ﴾ [النحل : ٧٣] أي الصنم وهو جماد لا يملك أن يرزق شيئاً فالرزق يكون بمعنى المصدر وبمعنى ما يرزق فإن أردت المصدر نصبت به شيئاً أي لا يملك أن يرزق شيئاً وإن أردت المرزوق كان شيئاً بدلاً منه أي قليلاً ومن السماوات والأرض صلة للرزق إن كان مصدراً أي لا يرزق من السماوات مطراً ولا من الأرض نباتاً، وصفة إن كان اسماً لما يرزق والضمير في ﴿ لا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [النساء : ٩٨] لما لأنه في معنى الآلهة بعدما قال لا يملك على اللفظ والمعنى لا يملكون الرزق ولا يمكنهم أن يملكوه ولا يتأتى ذلك فيهم
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢٢
﴿ فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الامْثَالَ ﴾ [النحل : ٧٤] فلا تجعلوا لله مثلا فإنه لا مثل له أي فلا تجعلوا له شركاء ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ﴾ [التوبة : ٧٨] أنه لا مثل له من الخلق ﴿ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ٢١٦] ذلك أو إن الله يعلم كيف يضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك والوجه الأول ثم ضرب المثل فقال :﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا ﴾ [النحل : ٧٥] هو بدل من مثلا ﴿ مَّمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَىْءٍ وَمَن رَّزَقْنَـاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ﴾ [النحل : ٧٥] مصدران في موضع الحال أي مثلكم في إشراككم بالله الأوثان مثل من سوى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف وبين حر مالك قد رزقه الله مالاً فهو يتصرف فيه وينفق منه كيف شاء وقيد
٤٢٣


الصفحة التالية
Icon