﴿ وَلا تَكُونُوا ﴾ [البقرة : ٤١] في نقض الأيمان ﴿ كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ﴾ [النحل : ٩٢] كالمرأة التي أنحت على غزلها بعد أن أحكمته وأبرمته فجعلته ﴿ أَنكَـاثًا ﴾ جمع نكث وهو ما ينكث فتله قيل : هي ريطة وكانت حمقاء تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن ﴿ تَتَّخِذُونَ أَيْمَـانَكُمْ ﴾ [النحل : ٩٢] حال كأنكاثاً ﴿ دَخَ ﴾ أحد مفعولي تتخذ أي ولا تنقضوا أيمانكم متخذيها دخلاً ﴿ بَيْنَكُمْ ﴾ أي مفسدة وخيانة ﴿ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ ﴾ [النحل : ٩٢] بسبب أن تكون أمة يعني جماعة قريش ﴿ هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ﴾ [النحل : ٩٢] هي أزيد عدداً وأوفر مالاً من أمة من جماعة المؤمنين.
هي أربى مبتدأ وخبر، في موضع الرفع صفة لأمة وأمة فاعل تكون وهي تامة وهي ليست بفصل لوقوعها بين نكرتين ﴿ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ﴾ [النحل : ٩٢] الضمير للمصدر أي إنما يختبركم بكونهم أربى لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وما وكدتم من أيمان البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أم تغترون بكثرة قريش وثروتهم وقلة المؤمنين وفقرهم ﴿ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [النحل : ٩٢] إِذا جازاكم على أعمالكم بالثواب والعقاب وفيه تحذير عن مخالفة ملة الإسلام ﴿ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ [المائدة : ٤٨] حنيفة مسلمة ﴿ وَلـاكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ ﴾ [النحل : ٩٣] من علم منه اختيار الضلالة ﴿ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ ﴾ [فاطر : ٨] من علم منه اختيار الهداية ﴿ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ ﴾ [النحل : ٩٣] يوم القيامة فتجزون به ﴿ وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَـانَكُمْ دَخَ بَيْنَكُمْ ﴾ [النحل : ٩٤] كرر النهي عن اتخاذ الإيمان دخلاً بينهم تأكيداً عليهم وإظهاراً لعظمه فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا } فتزل أقدامكم عن محجة
٤٣٠
الإسلام بعد ثبوتها عليها وإنما وحدت القدم ونكرت لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن تثبت عليه فكيف بأقدام كثيرة ﴿ وَتَذُوقُوا السُّواءَ ﴾ [النحل : ٩٤] في الدنيا ﴿ بِمَا صَدَدتُّمْ ﴾ [النحل : ٩٤] بصدودكم ﴿ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [محمد : ١]
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٠
وخروجكم عن الدين أو بصدكم غيركم لأنهم لو نقضوا أيمان البيعة وارتدوا لاتخذوا نقضها سنة لغيرهم يستنون بها ﴿ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النحل : ٩٤] في الآخرة
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٠
﴿ وَلا تَشْتَرُوا ﴾ [المائدة : ٤٤] ولا تستبدلوا ﴿ بِعَهْدِ اللَّهِ ﴾ [النحل : ٩١] وبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ ثَمَنًا قَلِيلا ﴾ [النحل : ٩٥] عرضاً من الدنيا يسيراً كأن قوماً ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان لجزعهم مما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين ولما كانوا يعدونهم إن رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فثبتهم الله ﴿ إِنَّمَا عِندَ اللَّهِ ﴾ [النحل : ٩٥] من ثواب الآخرة ﴿ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِندَكُمْ ﴾ من أعراض الدنيا ﴿ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ ﴾ [النحل : ٩٦] من خزائن رحمته ﴿ بَاقٍ ﴾ لا ينفد ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّ ﴾ وبالنون مكي وعاصم ﴿ الَّذِينَ صَبَرُوا ﴾ [النحل : ٩٦] على أذى المشركين ومشاق الإسلام ﴿ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل : ٩٦] ﴿ مَنْ عَمِلَ صَـالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى ﴾ [النحل : ٩٧] من مبهم يتناول النوعين إلا أن ظاهره للذكور فبين بقوله من ذكر أو أنثى ليعم الموعد النوعين ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ [الإسراء : ١٩] شرط الإيمان لأن أعمال الكفار غير معتد بها وهو يدل على أن العمل ليس من الإيمان ﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَواةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل : ٩٧] أي في الدنيا لقوله ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل : ٩٧] وعده الله ثواب الدنيا والآخرة كقوله ﴿ فَـاَاتَـاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الاخِرَةِ ﴾ [آل عمران : ١٤٨] وذلك أن المؤمن مع العمل الصالح موسراً كان أو معسراً يعيش عيشاً طيباً إن كان موسراً فظاهر وإن كان معسراً فمعه ما يطيب عيشه وهو القناعة والرضا
٤٣١


الصفحة التالية
Icon