بقسمة الله تعالى وأما الفاجر فأمره بالعكس إن كان معسراً فظاهر وإن كان موسراً فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه وقيل الحياة الطيبة القناعة أو حلاوة الطاعة أو المعرفة بالله وصدق المقام مع الله وصدق الوقوف على أمر الله والإعراض عما سوى الله
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣١
﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ ﴾ [النحل : ٩٨] فإذا أردت قراءة القرآن ﴿ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾ [الأعراف : ٢٠٠] فعبر عن إرادة الفعل بلفظ الفعل لأنها سبب له والفاء للتعقيب إذ القراءة المصدرة بالاستعاذة من العمل الصالح المذكور ﴿ مِنَ الشَّيْطَـانِ ﴾ [الأعراف : ٢٠١] يعني إبليس ﴿ الرَّجِيمِ ﴾ المطرود أو الملعون.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فقال لي :" قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبريل عليه السلام " ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ ﴾ [النحل : ٩٩] لإبليس ﴿ سُلْطَـانٍ ﴾ تسلط وولاية ﴿ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل : ٩٩] فالمؤمن المتوكل لا يقبل منه وساوسه ﴿ إِنَّمَا سُلْطَـانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ ﴾ [النحل : ١٠٠] يتخذونه ولياً ويتبعون وساوسه ﴿ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [النحل : ١٠٠] الضمير يعود إلى ربهم أو إلى الشيطان أي بسببه ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍ ﴾ [النحل : ١٠١] تبديل الآية مكان الآية هو النسخ والله تعالى ينسخ الشرائع بالشرائع لحكمة رآها وهو معنى قوله ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ ﴾ [النحل : ١٠١] وبالتخفيف مكي وأبو عمرو ﴿ قَالُوا إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَر ﴾ [النحل : ١٠١] هو جواب إذاً.
وقوله : والله أعلم بما ينزل اعتراض كانوا يقولون إن محمداً يسخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً فيأتيهم بما هو أهون ولقد افتروا فقد كان ينسخ الأشق بالأهون والأهون بالأشق ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [النحل : ٧٥] الحكمة في ذلك
٤٣٢
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٢
﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ﴾ [النحل : ١٠٢] أي جبريل عليه السلام أضيف إلى القدس وهو الطهر كما يقال حاتم الجود والمراد الروح المقدس وحاتم الجواد والمقدس المطهر من المآثم ﴿ مِن رَّبِّكَ ﴾ [الأحزاب : ٢] من عنده وأمره ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ حال أي نزله ملتبساً بالحكمة ﴿ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [النحل : ١٠٢] ليبلوهم بالنسخ حتى إذا قالوا فيه هو الحق من ربنا والحكمة لأنه حكيم لا يفعل إلا ما هو حكمة وصواب، حكم لهم بثبات القدم وصحة اليقين وطمأنينة القلوب ﴿ وَهُدًى وَبُشْرَى ﴾ [البقرة : ٩٧] مفعول لهما معطوفان على محل ليثبت والتقدير تثبيتاً لهم وإرشاداً وبشارة ﴿ لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ وفيه تعريضا بحصول أضداد هذه الخصال لغيرهم ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ﴾ [النحل : ١٠٣] أرادوا به غلاماً كان لحويطب قد أسلم وحسن إسلامه، اسمه عائش أو يعيش وكان صاحب كتب أو هو جبر غلام رومي لعامر بن الحضرمي أو عبدان : جبر، ويسار كانا يقرآن التوراة والإنجيل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسمع ما يقرآن أو سلمان الفارسي ﴿ لِّسَانُ الَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ ﴾ [النحل : ١٠٣] وبفتح الياء والحاء حمزة وعلي ﴿ أَعْجَمِىٌّ وَهَـاذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ ﴾ [النحل : ١٠٣] أي لسان الرجل الذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه لسان أعجمي غير بين وهذا القرآن لسان عربي مبين ذو بيان وفصاحة رداً لقولهم وإبطالاً لطعنهم وهذه الجملة أعني لسان الذي يلحدون إليه أعجمي لا محل لها لأنها مستأنفة جواب لقولهم واللسان اللغة ويقال : ألحد القبر ولحده وهو ملحد وملحود
٤٣٣
إذا أمال حفره عن الاستقامة فحفر في شق منه ثم استعير لكل إمالة عن الاستقامة فقالوا : ألحد فلان في قوله وألحد في دينه ومنه الملحد لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٣