﴿ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِـاَايَـاتِ اللَّهِ ﴾ [النحل : ١٠٤] أي القرآن ﴿ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ ﴾ [النحل : ١٠٤] ما داموا مختارين الكفر ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ١٧٤] في الآخرة على كفرهم ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ ﴾ [النحل : ١٠٥] على الله ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِـاَايَـاتِ اللَّهِ ﴾ [النحل : ١٠٤] أي إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن لأنه لا يترقب عقاباً عليه وهو رد لقولهم إنما أنت مفتر ﴿ وَأُوالَـائكَ ﴾ إشارة إلى الذين لايؤمنون أي وأولئك ﴿ هُمُ الْكَـاذِبُونَ ﴾ [النحل : ١٠٥] على الحقيقة الكاملون في الكذب لأن تكذيب آيات الله أعظم الكذب أو وأولئك هم الكاذبون في قولهم إنما أنت مفتر جوزوا أن يكون ﴿ مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَـاـنِهِ ﴾ [النحل : ١٠٦] شرطاً مبتدأ وحذف جوابه لأن جواب من شرح دال عليه كأنه قيل من كفر بالله فعليهم غضب ﴿ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَـاـاِنُّ بِالايمَـانِ ﴾ [النحل : ١٠٦] ساكن به ﴿ وَلَـاكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ﴾ [النحل : ١٠٦] أي طاب به نفساً واعتقده ﴿ فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النحل : ١٠٦] وأن يكون بدلاً من الذين لا يؤمنون بآيات الله على أن يجعل وأولئك هم الكاذبون اعتراضاً بين البدل والمبدل منه والمعنى إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه هم الكاذبون أو من خبر الذي هو الكاذبون أي أولئك هم من كفر بالله من بعد ايمانه واستثنى منهم المكره فلم يدخل تحت حكم الإفتراء ثم قال : ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله وأن يكون بدلاً من المبتدأ الذي هو أولئك أي ومن كفر بالله من بعد إيمانه وأن ينتصب على الذم روى أنَّ ناساً من أهل مكة فتنوا فارتدوا وكان فيهم من أكره فأجرى كلمة
٤٣٤
الكفر على لسانه وهو معتقد للإيمان منهم عمار وأما أبواه ياسر وسمية فقد قتلا وهما أول قتيلين في الإسلام فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلّم إن عماراً كفر فقال :" كلا إن عماراً ملىء إيماناً من قرنة إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه " فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو يبكي فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمسح عينيه وقال :" مالك إن عادوا لك فعد لهم بما قلت " وما فعل أبو عمار أفضل لأن في الصبر على القتل إعزازاً للإسلام
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٤
﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى الوعيد وهو لحوق الغضب والعذاب العظيم ﴿ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا ﴾ [النحل : ١٠٧] آثروا ﴿ ذَالِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَواةَ ﴾ [النحل : ١٠٧] أي بسبب إيثارهم الدنيا على الآخرة ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَـافِرِينَ ﴾ [النحل : ١٠٧] ما داموا مختارين للكفر ﴿ أؤلئك الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـارِهِمْ ﴾ [النحل : ١٠٨] فلا يتدبرون ولا يصغون إلى المواعظ ولا يبصرون طريق الرشاد ﴿ وَأُوالَـائكَ هُمُ الْغَـافِلُونَ ﴾ [النحل : ١٠٨] أي الكاملون في الغفلة لأن الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها ﴿ لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِى الاخِرَةِ هُمُ الْخَـاسِرُونَ * ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ ﴾ ثم يدل على تباعد حال هؤلاء من حال
٤٣٥
أولئك ﴿ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا ﴾ [النحل : ١١٠] من مكة أي أنه لهم لا عليهم يعني أنه وليهم وناصرهم لا عدوهم وخاذلهم كما يكون الملك للرجل لا عليه فيكون محمياً منفوعاً غير مضرور ﴿ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ﴾ [النحل : ١١٠] بالعذاب والإكراه على الكفر فَتنوا شامي أي بعد ما عذبوا المؤمنين ثم أسلموا ﴿ ثُمَّ جَـاهَدُوا ﴾ [النحل : ١١٠] المشركين بعد الهجرة ﴿ وَصَبَرُوا ﴾ على الجهاد ﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا ﴾ [الأعراف : ١٥٣] من بعد هذه الأفعال وهي الهجرة والجهاد والصبر ﴿ لَغَفُورٌ ﴾ لهم لما كان منهم من التكلم بكلمة الكفر تقية ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ لا يعذبهم على ما قالوا في حالة الإكراه
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٥