﴿ يَوْمَ تَأْتِى ﴾ [الدخان : ١٠] منصوب برحيم أو باذكر ﴿ كُلُّ نَفْسٍ تُجَـادِلُ عَن نَّفْسِهَا ﴾ [النحل : ١١١] وإنما أضيفت النفس إلى النفس لأنه يقال لعين الشيء وذاته نفسه وفي نقيضه غيره والنفس الجملة كما هي فالنفس الأولى هي الجملة والثانية عينها وذاتها فكأنه قيل يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره كلٌّ يقول نفسي نفسي ومعنى المجادلة عنها الاعتذار عنها كقولهم :﴿ هؤلاء أَضَلُّونَا ﴾ [الأعراف : ٣٨].
ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا الآية والله ربنا ما كنا مشركين ﴿ وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ ﴾ [النحل : ١١١] تعطى جزاء عملها وافياً ﴿ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ٢٨١] في ذلك ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً ﴾ [النحل : ١١٢] أي جعل القرية التي هذه حالها مثلاً لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة فكفروا وتولوا فأنزل الله بهم نقمته فيجوز أن يراد قرية مقدرة على هذه الصفة وأن تكون في قرى الأولين قرية كانت هذه جالها فضربها الله مثلاً لمكة إنذراً من مثل عاقبتها ﴿ كَانَتْ ءَامِنَةً ﴾ [النحل : ١١٢] من القتل والسبى ﴿ مُّطْمَـاـاِنَّةً ﴾ لا يزعجها خوف لأن الطمأنينة مع الأمن والانزعاج والقلق مع الخوف ﴿ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا ﴾ [النحل : ١١٢] واسعاً ﴿ مِّن كُلِّ مَكَانٍ ﴾ [النحل : ١١٢] من كل بلد ﴿ فَكَفَرَتْ ﴾ أهلها ﴿ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ﴾ [النحل : ١١٢] جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاء كدرع وأدرع أو جمع نعم كبؤس وأبؤس ﴿ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل : ١١٢]
٤٣٦
الإذاقة واللباس استعارتان والإذاقة المستعارة موقعة على اللباس المستعار ووجه صحة ذلك أن الإذاقة جارية عندهم مجري الحقيقة لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمس الناس منها فيقولون ذاق فلان البؤس والضر وأذاقه العذاب شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر والبشع وأما اللباس فقد شبه به لاشتماله على اللابس ما غشى الإنسان والتبس به من بعض الحوادث وأما إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف فلأنه لما وقع عبارة عما يغشى منهما ويلابس فكأنه قيل فأذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٦
﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ ﴾ [النحل : ١١٣] أي محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَـالِمُونَ ﴾ [النحل : ١١٣] أي في حال التباسهم بالظلم قالوا إنه القتل بالسيف يوم بدر روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجه إلى أهل مكة في سني القحط بطعام ففرق فيها فقال :" الله لهم بعد أن أذاقهم الجوع " ﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ﴾ [النحل : ١١٤] على يدي محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ حَلَـالا طَيِّبًا ﴾ [المائدة : ٨٨] بدلاً عما كنتم تأكلونه حرماً خبيثاً من الأموال المأخوذة بالغارات والغصوب وخبائث الكسوب ﴿ وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل : ١١٤] تطيعون أو إن صح زعمكم أنكم تعبدون الله بعبادة الآلهة لأنها شفعاؤكم عنده ثم عدد عليهم محرمات الله ونهاهم عن تحريمهم وتحليلهم بأهوائهم فقال :﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النحل : ١١٥] إنما للحصر أي المحرم هذا دون البحيرة وأخواتها وباقي الآية قد مر تفسيره ﴿ وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ ﴾ [النحل : ١١٦] هو منصوب بلا تقولوا أي
٤٣٧
ولا وتقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة في قولكم :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٧


الصفحة التالية
Icon