﴿ مَا فِى بُطُونِ هَـاذِهِ الانْعَـامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا ﴾ [الأنعام : ١٣٩] من غير استناد ذلك الوصف إلى الوحي أو إلى القياس المستنبط منه واللام مثلها في قولك لا تقولوا لما أحل الله هو حرام وقوله ﴿ هَـاذَا حَلَـالٌ وَهَـاذَا حَرَامٌ ﴾ [النحل : ١١٦] بدل من الكذب ولك أن تنصب الكذب يتصف وتجعل ما مصدرية وتعلق هذا حلال وهذا حرام بلا تقولوا أي و لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام وهذا لوصف ألسنتكم الكذب أي ولا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول تنطق به ألسنتكم ويجول في أفواهكم لا لأجل حجة وبينة ولكن قول ساذج ودعوى بلا برهان وقوله تصف ألسنتكم الكذب من فصيح الكلام جعل قولهم كأنه عين الكذب فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته وصورته بصورته كقولك وجهها يصف الجمال وعينها تصف السحر واللام في ﴿ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾ [النحل : ١١٦] من التعليل الذي لا يتضمن معنى الفرض ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ﴾ [يونس : ٦٩]
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٧
﴿ مَتَـاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النحل : ١١٧] هو خبر مبتدأ محذوف أي منفعتهم فيما هم عليه من أفعال الجاهلية منفعة قليلة وعذابها عظيم ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ ﴾ [النحل : ١١٨] في سورة الأنعام يعني ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ ﴾ [الأنعام : ١٤٦] الآية ﴿ وَمَا ظَلَمْنَـاهُمْ ﴾ [هود : ١٠١] بالتحريم ﴿ وَلَـاكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [البقرة : ٥٧] فحرمنا عليهم عقوبة على معاصيهم ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّواءَ بِجَهَـالَةٍ ﴾ [النحل : ١١٩] في موضع الحال أي عملوا السوء جاهلين غير متدبرين للعاقبة لغلبة الشهوة عليهم ومرادهم لذة الهوى لا عصيان المولى ﴿ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَالِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا ﴾ [النحل : ١١٩] من بعد التوبة ﴿ لَغَفُورٌ ﴾ بتكفير ما كثروا قبل من الجرائم ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ بتوثيق ما وثقوا بعد من
٤٣٨
العزائم
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٨
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾ [النحل : ١٢٠] إنه كان وحده أمة من الأمم لكماله في جميع صفات الخير كقوله :
ليس على الله بمستنكر
أن يجمع العالم في واحد
وعن مجاهد كان مؤمناً وحده والناس كلهم كفار أو كان أمة بمعنى مأموم يؤمه الناس ليأخذوا منه الخير ﴿ قَانِتًا لِّلَّهِ ﴾ [النحل : ١٢٠] هو القائم بما أمره الله وقال ابن مسعود رضي الله عنه إن معاذاً كان أمة قانتاً لله فقيل له : إنما هو إبراهيم عليه السلام قال الأمة الذي يعلم الخير والقانت المطيع لله ورسوله وكان معاذ كذلك وقال عمر رضي الله عنه لو كان معاذ حياً لاستخلفته فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول :" أبو عبيدة أمين هذه الأمة، ومعاذ أمة لله قانت لله ليس بينه وبين الله يوم القيامة إلا المرسلون " ﴿ حَنِيفًا ﴾ مائلاً عن الأديان إلى ملة الإسلام ﴿ وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل : ١٢٠] نفى عنه الشرك تكذيباً لكفار قريش لزعمهم أنهم على ملة أبيهم إبراهيم وحذف النون للتشبيه بحروف اللين ﴿ شَاكِرًا لانْعُمِهِ ﴾ [النحل : ١٢١] روى أنه كان لا يتغدى إلا مع ضيف فلم يجد ذات يوم ضيفاً فأخر غداه فإذا هو بفوج من الملائكة في صورة البشر فدعاهم إلى الطعام فخيلوا له أن بهم جذاماً فقال الآن وجبت مؤاكلتكم شكراً لله على أنه عافاني وابتلاكم ﴿ اجْتَبَـاهُ ﴾ اختصه واصطفاه للنبوة ﴿ وَهَدَاـاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل : ١٢١] إلى ملة الإسلام ﴿ وَءَاتَيْنَـاهُ فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾ [النحل : ١٢٢] نبوة وأموالاً وأولاداً أو تنويه الله بذكره فكل أهل دين يتولونه أو قول المصلى منا كما صليت على إبراهيم ﴿ وَإِنَّهُ فِى الاخِرَةِ لَمِنَ الصَّـالِحِينَ ﴾ [البقرة : ١٣٠] لمن أهل الجنة ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكين } في
٤٣٩
ثم تعظيم منزلة نبينا عليه السلام وإجلال محله والإيذان بأن أشرف ما أوتي خليل الله من الكرامة اتباع رسولنا ملته