﴿ مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾ [الإسراء : ١٥] أي فلها ثواب الاهتداء وعليها وبال الضلال ﴿ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام : ١٦٤] أي كل نفس حاملة وزراً فإنما تحمل وزرها لا وزر نفس أخرى ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ﴾ وما صح منا أن نعذب قوماً عذاب استئصال في الدنيا إلا بعد أن نرسل إليهم رسولا يلزمهم الحجة ﴿ وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً ﴾ [الإسراء : ١٦] أي أهل قرية ﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ [الإسراء : ١٦] متنعميها وجبابرتها بالطاعة عن أبي عمرو والزجاج ﴿ فَفَسَقُوا فِيهَا ﴾ [الإسراء : ١٦] أي خرجوا عن الأمر كقولك أمرته فعصى أو أمرنا كثرنا، دليله قراءة يعقوب أمرنا ومنه الحديث " خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة " أي كثيرة النسل ﴿ فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ ﴾ [الإسراء : ١٦] فوجب عليها الوعيد ﴿ فَدَمَّرْنَـاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء : ١٦] فأهلكناها إهلاكاً ﴿ وَكَمْ ﴾ مفعول ﴿ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ ﴾ [الإسراء : ١٧] بيان لكم ﴿ مِن بَعْدِ نُوحٍ ﴾ [الإسراء : ١٧] يعني عاداً وثمود وغيرهما ﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا ﴾ [الإسراء : ١٧] وإن أخفوها في الصدور ﴿ بَصِيرًا ﴾ وإن أرخوا عليها الستور ﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ ﴾ [الإسراء : ١٨] لا ما يشاء ﴿ لِمَن نُّرِيدُ ﴾ [الإسراء : ١٨] بدل من له بإعادة الجار وهو بدل البعض من الكل إذ الضمير يرجع إلى
٤٤٧
من أي من كانت العاجلة همه ولم يرد غيرها كالكفرة تفضلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد فقيد المعجل بمشيئته والمعجل له بإرادته وهكذا الحال ترى كثيراً من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضاً منه وكثيراً منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة وأما المؤمن التقى فقد اختار غنى الآخرة فإن أوتي حظاً من الدنيا فبها وإلا فربما كان الفقر خيراً له ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ ﴾ [الإسراء : ١٨] في الآخرة ﴿ يَصْلَـاـاهَآ ﴾ يدخلها ﴿ مَذْمُومًا ﴾ ممقوتاً ﴿ مَّدْحُورًا ﴾ مطروداً من رحمة الله
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٧
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الاخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾ [الإسراء : ١٩] هو مفعول به أو حقها من السعي وكفاءها من الأعمال الصالحة ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ [الإسراء : ١٩] مصدق لله في وعده ووعيده ﴿ فَأُوالَـائكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴾ [الإسراء : ١٩] مقبولاً عند الله مثاباً عليه عن بعض السلف من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله : إيمان ثابت ونية صادقة وعمل مصيب وتلا الآية فإنه شرط فيها ثلاث شرائط في كون السعي مشكوراً إرادة الآخرة والسعي فيما كلف والإيمان الثابت ﴿ كَلا ﴾ كل واحد من الفريقين والتنوين عوض عن المضاف إليه وهو منصوب بقوله ﴿ نُّمِدُّ هؤلاء ﴾ [الإسراء : ٢٠] بدل من كل أي نمد هؤلاء ﴿ وَهَـاؤُلاءِ ﴾ أي من أراد العاجلة ومن أراد الآخرة ﴿ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ ﴾ [الإسراء : ٢٠] رزقه ومن تتعلق بنمد والعطاء اسم للمعطي أي نزيدهم من عطائنا ونجعل الآنف منه مدداً للسالف لا نقطعه فنرزق المطيع والعاصي جميعاً على وجه التفضل ﴿ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء : ٢٠] ممنوعاً عن عباده وإن عصوا ﴿ أَنظُرْ ﴾ بعين الاعتبار ﴿ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [الإسراء : ٢١] في المال والجاه والسعة والكمال ﴿ وَلَلاخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا ﴾ [الإسراء : ٢١] روى أن قوماً من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضي الله عنه فخرج الإذن لبلال وصهيب فشق على أبي سفيان فقال سهيل بن عمرو : إنما أتينا من قبلنا.
إنهم دعوا ودعينا يعني إلى الإسلام فأسرعوا وأبطأنا وهذا باب فكيف التفاوت في الآخرة ولئن
٤٤٨
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٨