﴿ وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ [الأنعام : ١٥٢] بالخصلة والطريقة التي هي أحسن وهي حفظه وتثميره ﴿ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ [الإسراء : ٣٤] أي ثماني عشرة سنة ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ﴾ [الإسراء : ٣٤] بأوامر الله تعالى ونواهيه ﴿ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْـاُولا ﴾ مطلوباً يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به أو إن صاحب العهد كان مسؤولاً ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ ﴾ [الإسراء : ٣٥] بكسر القاف حمزة وعلي وحفص وهو كل ميزان صغير أو كبير من موازين الدراهم وغيرها وقيل هو القرسطون أي القبان ﴿ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ المعتدل ﴿ ذَالِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف : ٢٦] في الدنيا ﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا ﴾ [النساء : ٥٩] عاقبة وهو تفعيل من آل إذا رجع وهو ما يؤول إليه ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [الإسراء : ٣٦] ولا تتبع ما لم تعلم أي لا تقل رأيت وما رأيت وسمعت وما سمعت وعن ابن الحنفية لا تشهد بالزور وعن ابن عباس لا ترم أحداً بما لا تعلم.
ولا يصح التثبت به لمبطل الاجتهاد لأن ذا نوع من العلم فإن علمتموهن مؤمنات وأقام الشارع غالب الظن مقام العلم وأمر بالعمل به كما في الشهادات ولنا في العمل بخبر الواحد لما ذكرنا ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أؤلئك كَانَ عَنْهُ مَسْـاُولا ﴾ أولئك إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد لأن
٤٥٣
أولئك كما يكون إشارة إلى العقلاء يكون إشارة إلى غيرهم كقول جرير :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٥٣
ذم المنازل بعد منزلة اللوى
والعيش بعد أولئك الأيام
وعنه في موضع الرفع بالفاعلية أي كل واحد منها كان مسئولاً عنه فمسؤول مسند إلى الجار والمجرور كالمغضوب في ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة : ٧].
يقال للإنسان لم سمعت ما لم يحل لك سماعه ولم نظرت إلى ما لم يحل لك النظر إليه ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه كذا في الكشاف وفيه نظر لبعضهم لأن الجار والمجرور إنما يقومان مقام الفاعل إذا تأخرا عن الفعل فأما إذا تقدما فلا ﴿ وَلا تَمْشِ فِى الارْضِ مَرَحًا ﴾ [الإسراء : ٣٧] هو حال أي ذا مرح ﴿ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الارْضَ ﴾ [الإسراء : ٣٧] لن تجعل فيها خرقاً بدوسك لها وشدة وطئتك ﴿ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا ﴾ [الإسراء : ٣٧] بتطاولك وهو تهكم بالمختال أو لن تحاذيها قوة وهو حال من الفاعل أو المفعول ﴿ كُلُّ ذَالِكَ كَانَ سَيِّئُهُ ﴾ [الإسراء : ٣٨] كوفي وشامي على إضافة سيء إلى ضمير كل.
سيئة غيرهم ﴿ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ﴾ [الإسراء : ٣٨] ذكر مكروهاً لأن السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم زال عنه حكم الصفات فلا اعتبار بتأنيثه ألا تراك تقول : الزنا سيئة، كما تقول : السرقة سيئة، فإن قلت الخصال المذكورة بعضها سييء وبعضها حسن ولذلك قرأ من قرأ سيئه بالإضافة أي ما كان من المذكور سيئاً كان عند الله مكروهاً فما وجه قراءة من قرأ سيئة قلت كل ذلك إحاطة بما نهى عنه خاصة لا بجميع الخصال المعدودة ﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى ما تقدم من قوله :﴿ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهًا ءَاخَرَ ﴾ [الإسراء : ٢٢] إلى هذه الغاية
٤٥٤
﴿ مِمَّآ أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ﴾ [الإسراء : ٣٩] مما يحكم العقل بصحته وتصلح النفس بأسوته ﴿ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهًا ءَاخَرَ فَتُلْقَى فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا ﴾ [الإسراء : ٣٩] مطروداً من الرحمة.
عن ابن عباس رضي الله عنهما هذه الثماني عشرة آية كانت في ألواح موسى عليه السلام أولها : لا تجعل مع الله إلهاً آخر وآخرها مدحوراً ولقد جعلت فاتحتها وخاتمتها النهي عن الشرك لأن التوحيد رأس كل حكمة وملاكها ومن عدمه لم تنفعه حكمة وإن بذ فيها الحكماء وحك بيافوخه السماء وما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم وهم عن دين الله أضل من النعم ثم خاطب الذين قالوا الملائكة بنات الله بقوله :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٥٣


الصفحة التالية
Icon