﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ ﴾ [الإسراء : ٤٧] أي نحن أعلم بالحال أو الطريقة التي يستمعون القرآن بها فالقرآن هو المستمع وهو محذوف وبه حال وبيان لما أي يستمعون القرآن هازئين لا جادين والواجب عليهم أن يستمعوه جادين ﴿ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ﴾ [الإسراء : ٤٧] نصب بأعلم أي أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون ﴿ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى ﴾ [الإسراء : ٤٧] وبما يتناجون به إذ هم ذوو نجوى ﴿ إِذْ يَقُولُ الظَّـالِمُونَ ﴾ [الإسراء : ٤٧] بدل من إذ هم ﴿ إِن تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَّسْحُورًا ﴾ [الإسراء : ٤٧] سحر فجن ﴿ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الامْثَالَ ﴾ [الإسراء : ٤٨] مثلوك بالشاعر والساحر والمجنون ﴿ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلا ﴾ [الإسراء : ٤٨] أي فضلوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في التيه طريقاً يسلكه فلا يقدر عليه فهو متحير في أمره لا يدري ما يصنع ﴿ وَقَالُوا ﴾ أي منكرو البعث ﴿ أَءِذَا كُنَّا عِظَـامًا وَرُفَـاتًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ﴾ أي مجدداً وخلقاً حال أي مخلوقين ﴿ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ ﴾ أي السماوات والأرض فإنها تكبر عندكم عن قبول الحياة ﴿ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ﴾ [الإسراء : ٥١] يعيدكم ﴿ الَّذِى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [الإسراء : ٥١] والمعنى أنكم تستبعدون أن يجدد الله خلقكم ويرده إلى حال الحياة بعدما كنتم عظاماً يابسة مع أن العظام بعض أجزاء الحي بل هي عمود خلقه الذي يبنى عليه سائره فليس ببدع أن يردها الله بقدرته إلى الحالة الأولى ولكن لو كنتم أبعد شيء من الحياة وهو أن تكونوا حجارة أو حديداً لكان قادراً على أن يردكم إلى حال الحياة ﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ ﴾ [الإسراء : ٥١] فسيحركونها نحوك تعجباً واستهزاءً ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ ﴾ [الإسراء : ٥١] أي البعث استبعاداً له ونفياً
٤٥٧
﴿ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا ﴾ [الإسراء : ٥١] أي هو قريب وعسى للوجوب
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٥٧
﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ﴾ [الإسراء : ٥٢] إلى المحاسبة وهو يوم القيامة ﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾ [الإسراء : ٥٢] أي تجيبون حامدين والباء للحال.
عن سعيد بن جبير ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون سبحانك اللهم وبحمدك ﴿ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا ﴾ أي لبثاً قليلاً أو زماناً قليلاً في الدنيا أو في القبر ﴿ وَقُل لِّعِبَادِى ﴾ [الإسراء : ٥٣] وقل للمؤمنين ﴿ يَقُولُوا ﴾ للمشركين الكلمة ﴿ الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ [الإسراء : ٥٣] وألين ولا يخاشنوهم وهي أن يقولوا يهديكم الله ﴿ إِنَّ الشَّيْطَـانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الإسراء : ٥٣] يلقي بينهم الفساد ويغري بعضهم على بعض ليوقع بينهم المشاقة.
والنزغ : إيقاع الشر وإفساد ذات البين وقرأ طلحة : ينزغ بالكسر وهما لغتان ﴿ إِنَّ الشَّيْطَـانَ كَانَ لِلانسَـانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾ [الإسراء : ٥٣] ظاهر العداوة أو فسر التي هي أحسن بقوله :﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ ﴾ [الإسراء : ٥٤] بالهداية والتوفيق ﴿ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ﴾ [الإسراء : ٥٤] بالخذلان أي يقولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا يقولوا لهم إنكم من أهل النار وإنكم معذبون وما أشبه ذلك مما يغيظهم ويهيجهم على الشر قوله : إن الشيطان ينزع بينهم.
اعتراض ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا ﴾ [الإسراء : ٥٤] حافظاً لأعمالهم وموكولاً إليك أمرهم وإنما أرسلناك بشيراً ونذيراً فدارهم ومر أصحابك بالمداراة ﴿ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [الإسراء : ٥٥] وبأحوالهم وبكل ما يستأهل كل واحد منهم ﴿ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّـانَ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [الإسراء : ٥٥] فيه إشارة إلى تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقوله :﴿ وَءَاتَيْنَا دَاوُادَ زَبُورًا ﴾ [النساء : ١٦٣] دلالة على وجه تفضيله وأنه خاتم الأنبياء وأن أمته خير الأمم لأن ذلك مكتوب في زبور داود قال الله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الارْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّـالِحُونَ ﴾ [الأنبياء : ١٠٥].
وهم محمد وأمته ولم يعرف الزبور
٤٥٨


الصفحة التالية
Icon