﴿ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ ﴾ [الإسراء : ٥٩] باقتراحهم ﴿ مُبْصِرَةً ﴾ آية بينة ﴿ فَظَلَمُوا بِهَا ﴾ [الأعراف : ١٠٣] فكفروا بها ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالايَـاتِ ﴾ [الإسراء : ٥٩] إن أراد بها الآيات المقترحة فالمعنى لا نرسلها ﴿ إِلا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء : ٥٩] من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدمة له فإن لم يخافوا وقع عليهم وإن أراد غيرها فالمعنى وما نرسل ما نرسل من الآيات كآيات القرآن وغيرها إلا تخويفاً وإنذاراً بعذاب الآخرة وهو مفعول له
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٦٢
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِى أَرَيْنَـاكَ إِلا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ﴾ [الإسراء : ٦٠] واذكر إذ أوحينا إليك أن ربك أحاط بقريش علماً وقدرة فكلهم في قبضته فلا تبال بهم وامض لأمرك وبلغ ما أرسلت به أو بشرناك بوقعة بدر وبالنصرة عليهم وذلك قوله :﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ [القمر : ٤٥].
﴿ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران : ١٢].
فجعله كأن قد كان ووجد فقال : أحاط بالناس على سنته في إخباره ولعل الله تعالى أراه مصارعهم في منامه فقد كان يقول حين ورد ماء بدر :" والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم " وهو يومىء إلى الأرض ويقول :" هذا مصرع فلان " فتسامعت قريشاً بما أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أمر بدر وما أرى في منامه من مصارعهم فكانوا يضحكون ويسخرون ويستعجلون به استهزاء ﴿ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْءَانِ ﴾ [الإسراء : ٦٠] أي وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس فإنهم حين سمعوا بقوله : إن شجرة الزقوم طعام الأثيم جعلوها سخرية وقالوا : إن محمداً يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول : تنبت فيها الشجرة وما قدروا الله حق قدره إذا قالوا ذلك فإنه لا يمتنع أن يجعل الله الشجرة من جنس لا تأكله الناس فوبر السمندل وهو دويبة ببلاد الترك يتخذ منه مناديل إذا اتسخت طرحت في النار فذهب الوسخ وبقي المنديل سالماً لا تعمل فيه النار وترى النعامة تبتلع الجمر فلا يضرها وخلق في كل شجرة ناراً فلا تحرقها فجاز أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها والمعنى أن الآيات إنما ترسل تخويفاً للعباد وهؤلاء قد خوفوا بعذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر وخوفوا بعذاب الآخرة وبشجرة الزقوم فما أثر فيهم ثم قال :﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ ﴾ أي
٤٦٣
بمخاوف الدنيا والآخرة ﴿ فَمَا يَزِيدُهُمْ ﴾ [الإسراء : ٦٠] التخويف ﴿ إِلا طُغْيَـانًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء : ٦٠] فكيف يخاف قوم هذه حالهم بإرسال ما يقترحون من الآيات وقيل الرؤيا هي الإسراء والفتنة ارتداد من استعظم ذلك وبه تعلق من يقول : كان الإسراء في المنام ومن قال كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية وإنما سماها رؤيا على قول المكذبين حيث قالوا له لعلها رؤيا رأيتها استبعاداً منهم كما سمى أشياء بأساميها عند الكفرة كقوله ﴿ فَرَاغَ إِلَى ءَالِهَتِهِمْ ﴾ [الصافات : ٩١] ﴿ أَيْنَ شُرَكَآءِىَ ﴾ [القصص : ٦٢] أو هي رؤيا أنه سيدخل مكة والفتنة الصد بالحديبية فإن قلت : ليس في القرآن ذكر لعن شجرة الزقوم قلت معناه : والشجر الملعون آكلها وهم الكفرة لأنه قال ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لاكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِـاُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴾ فوصفت بلعن أهلها على المجاز ولأن العرب تقول لكل طعام مكروه ضار ملعون ولأن اللعن هو الإبعاد من الرحمة وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٦٣