ولكن الله وحده الذي ترجونه على الاستثناء المنقطع ﴿ فَلَمَّا نَجَّـاـاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ﴾ [الإسراء : ٦٧] عن الإخلاص بعد الخلاص ﴿ وَكَانَ الانسَـانُ ﴾ [الكهف : ٥٤] أي الكافر ﴿ كَفُورًا ﴾ للنعم ﴿ أَفَأَمِنتُمْ ﴾ الهمزة للإنكار والفاء للعطف على محذوف تفديره أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض ﴿ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ ﴾ [الإسراء : ٦٨] انتصب جانب بيخسف مفعولاً به كالأرض في قوله :﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الارْضَ ﴾ [القصص : ٨١] وبكم حال والمعنى أن يخسف جانب البر أي يقلبه وأنتم عليه والحاصل أن الجواب كلها في قدرته سواء وله في كل جانب براً كان أو بحراً سبب من أسباب الهلاك ليس جانب البحر وحده مختصاً به بل إن كان الغرق في جانب البحر ففي جانب البر الخسف وهو تغييب تحت التراب والغرق تغييب تحت الماء فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله في جميع الجوانب وحيث كان ﴿ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ﴾ [الإسراء : ٦٨] هي الريح التي تحصب أي ترمي بالحصباء يعني أو أن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء ﴿ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا ﴾ [الإسراء : ٦٨] يصرف ذلك عنكم ﴿ أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ ﴾ [الإسراء : ٦٩] أي أم أمنتم أن يقوى دواعيكم ويوفر حوائجكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر الذي نجاكم منه فأعرضتم فينتقم منكم بأن يرسل عليكم ﴿ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ ﴾ [الإسراء : ٦٩] وهي الريح التي لها قصيف وهو الصوت الشديد أو هو الكاسر للفلك ﴿ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ﴾ [الإسراء : ٦٩] بكفرانكم النعمة وهو
٤٦٦
إعراضكم حين نجاكم ﴿ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ﴾ [الإسراء : ٦٩] مطالباً من قوله :﴿ فَاتِّبَاعُ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة : ١٧٨] أي مطالبة والمعنى إنا نفعل ما نفعل بهم ثم لا تجدوا أحداً يطالبنا بما فعلنا انتصاراً منا ودركاً للثأر من جهتنا وهذا نحو قوله :﴿ وَلا يَخَافُ عُقْبَـاهَا ﴾ [الشمس : ١٥].
أن نخسف أو نرسل أن نعيدكم فنرسل فنغرقكم بالنون مكي وأبو عمرو
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٦٦
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ ﴾ [الإسراء : ٧٠] بالعقل والنطق والخط والصورة الحسنة والقامة المعتدلة وتدبير أمر المعاش والمعاد والاستيلاء وتسخير الأشياء وتناول الطعام بالأيدي وعن الرشيد أنه أحضر طعاماً فدعا بالملاعق وعنده أبو يوسف رحمه الله تعالى فقال له : جاء في تفسير جدك ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ ﴾ [الإسراء : ٧٠] جعلنا لهم أصابع يأكلون بها فأحضرت الملاعق فردها وأكل بأصابعه ﴿ وَحَمَلْنَـاهُمْ فِى الْبَرِّ ﴾ [الإسراء : ٧٠] على الدواب ﴿ وَالْبَحْرِ ﴾ على السفن ﴿ وَرَزَقْنَـاهُم مِّنَ الطَّيِّبَـاتِ ﴾ [يونس : ٩٣] باللذيذات أو بما كسبت أيديهم ﴿ وَفَضَّلْنَـاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ﴾ [الإسراء : ٧٠] أي على الكل كقوله ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ كَـاذِبُونَ ﴾ [الشعراء : ٢٢٣].
قال الحسن : أي كلهم وقوله :﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا ﴾ [يونس : ٣٦] ذكر في الكشاف أن المراد بالأكثر الجميع وعنه عليه السلام :" المؤمن أكرم على الله من الملائكة " وهذا لأنهم مجبولون على الطاعة ففيهم عقل بلا شهوة وفي البهائم شهوة بلا عقل وفي الآدمي كلاهما فمن غلب عقله شهوته فهو أكرم من الملائكة ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم ولأنه خلق الكل لهم وخلقهم لنفسه ﴿ يَوْمَ نَدْعُوا ﴾ [الإسراء : ٧١] منصوب باذكر ﴿ كُلَّ أُنَاس بِإِمَـامِهِمْ ﴾ [الإسراء : ٧١] الباء للحال والتقدير مختلطين بإمامهم أي بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين فيقال : يا أتباع فلان يا أهل دين كذا أو كتاب كذا وقيل بكتاب أعمالهم فيقال : يا أصحاب كتاب الخير ويا أصحاب كتاب الشر ﴿ فَمَنْ أُوتِىَ ﴾ [الإسراء : ٧١] من هؤلاء
٤٦٧
المدعوين ﴿ كِتَـابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوالَـائكَ يَقْرَءُونَ كِتَـابَهُمْ ﴾ [الحاقة : ٢٥-٧١] وإنما قيل أولئك لأن من في معنى الجمع ﴿ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا ﴾ [النساء : ٤٩] ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شيء ولم يذكر الكفار وإيتاء كتبهم بشمالهم اكتفاء بقوله :


الصفحة التالية
Icon