﴿ وَذَرُوا ظَـاهِرَ الاثْمِ وَبَاطِنَهُا ﴾ [الأنعام : ١٢٠] علانيته وسره أو الزنا في الحوانيت والصديقة في السر أو الشرك الجلي والخفي ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الاثْمَ سَيُجْزَوْنَ ﴾ [الأنعام : ١٢٠] يوم القيامة ﴿ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ﴾ [الأنعام : ١٢٠] يكتسبون في الدنيا ﴿ وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ [الأنعام : ١٢١] عند الذبح ﴿ وَأَنَّهُ ﴾ وإن أكله ﴿ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَـاطِينَ لَيُوحُونَ ﴾ [الأنعام : ١٢١] ليوسوسون ﴿ إِلَى أَوْلِيَآ ـاِهِمْ ﴾ [الأنعام : ١٢١] من المشركين ﴿ لِيُجَـادِلُوكُمْ ﴾ بقولهم لا تأكلون مما قتله الله وتأكلون مما تذبحون بأيديكم، والآية تحرم متروك التسمية وخصت حالة النسيان بالحديث أو بجعل الناسي ذاكراً تقديراً ﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ ﴾ [الأنعام : ١٢١] في استحلال ما حرمه الله ﴿ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام : ١٢١] لأن من اتبع غير الله في دينه فقد أشرك به، ومن حق المتدين أن لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه لما في الآية من التشديد العظيم.
ومن أوّل الآية بالميتة وبما ذكر غير اسم الله عليه لقوله ﴿ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ [الأنعام : ١٤٥] وقال : إن الواو في ﴿ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ [الأنعام : ١٢١] للحال لأن عطف الجملة الاسمية على الفعلية لا يحسن فيكون التقدير : ولا تأكلوا منه حال كونه فسقاً والفسق مجمل فبين بقوله ﴿ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ [الأنعام : ١٤٥] فصار التقدير ولا تأكلوا منه حال كونه مهلاً لغير الله به فيكون ما سواه حلالاً بالعمومات المحلة منها قوله ﴿ قُل لا أَجِدُ ﴾ [الأنعام : ١٤٥] الآية.
فقد عدل عن ظاهر اللفظ.
٤٦
﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـاهُ ﴾ [الأنعام : ١٢٢] أي كافراً فهديناه لأن الإيمان حياة القلوب ﴿ مَيْتًا ﴾ مدني ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى النَّاسِ ﴾ [الأنعام : ١٢٢] مستضيئاً به والمراد به اليقين ﴿ كَمَن مَّثَلُهُ ﴾ [الأنعام : ١٢٢] أي صفته ﴿ فِى الظُّلُمَـاتِ ﴾ [الأنبياء : ٨٧] أي خابط فيها ﴿ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ﴾ [الأنعام : ١٢٢] لا يفارقها ولا يتخلص منها وهو حال.
قيل : المراد بهما حمزة وأبو جهل.
والأصح أن الآية عامة لكل من هداه الله ولكل من أضله الله، فبين أن مثل المهتدى مثل الميت الذي أحيي وجعل مستضيّئاً يمشي في الناس بنور الحكمة والإيمان، ومثل الكافر مثل من هو في الظلمات التي لا يتخلص منها ﴿ كَذَالِكَ ﴾ أي كما زين للمؤمن إيمانه ﴿ زُيِّنَ لِلْكَـافِرِينَ ﴾ [الأنعام : ١٢٢] بتزيين الله تعالى كقوله ﴿ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـالَهُمْ ﴾ [النمل : ٤] (النمل : ٤) ﴿ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : ٦٢] أي أعمالهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤
﴿ وَكَذالِكَ ﴾ أي وكما جعلنا في مكة صناديدها ليمكروا الناس فيها ﴿ جَعَلْنَآ ﴾ صيرنا ﴿ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَـابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ﴾ [الأنعام : ١٢٣] ليتجبروا على الناس فيها ويعملوا بالمعاصي.
واللام على ظاهرها عند أهل السنة وليست بلام العاقبة، وخص الأكابر وهم الرؤساء لأن ما فيهم من الرياسة والسعة أدعى لهم إلى المكر والكفر من غيرهم، دليله ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِى الارْضِ ﴾ [الشورى : ٢٧] (الشورى : ٧٢) ثم سلى رسوله عليه السلام ووعد له النصرة بقوله ﴿ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ [الأنعام : ١٢٣] لأن مكرهم يحيق بهم ﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة : ٩] أنه يحيق بهم ﴿ أَكْبَرَ ﴾ مفعول أول والثاني ﴿ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ ﴾ [الأنعام : ١٢٣] و ﴿ مُجْرِمِيهَا ﴾ بدل من ﴿ أَكْبَرَ ﴾ أو الأول ﴿ مُجْرِمِيهَا ﴾ والثاني ﴿ أَكْبَرَ ﴾ والتقدير : مجرميها أكابر.
ولما قال أبو جهل : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحي إليه والله لا نرضي به إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه، نزل
٤٧