﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ﴾ [سبأ : ٤٠] وبالياء حفص أي واذكر يوم نحشرهم أو ويوم نحشرهم قلنا ﴿ جَمِيعًا يَـامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الانسِ ﴾ أضللتم منهم كثيراً وجعلتموهم أتباعكم كما تقول استكثر الأمير من الجنود ﴿ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الانسِ ﴾ [الأنعام : ١٢٨] الذين أطاعوهم واستمعوا إلى وسوستهم ﴿ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ﴾ [الأنعام : ١٢٨] أي انتفع الإنس بالشياطين حيث دلوهم على الشهوات وعلى أسباب التوصل إليها، وانتفع الجن بالإنس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم في أغوائهم ﴿ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا الَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا ﴾ [الأنعام : ١٢٨] يعنون يوم البعث وهذا الكلام اعتراف بما كان منهم من طاعة الشياطين واتباع الهوى، والتكذيب بالبعث وتحسر على حالهم ﴿ قَالَ النَّارُ مَثْوَاـاكُمْ ﴾ [الأنعام : ١٢٨] منزلكم ﴿ خَـالِدِينَ فِيهَآ ﴾ [الجن : ٢٣] حال والعامل معنى الاضافة كقوله تعالى ﴿ أَنَّ دَابِرَ هؤلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ ﴾ [الحجر : ٦٦] (الحجر : ٦٦) فـ ﴿ مُّصْبِحِينَ ﴾ حال من هؤلاء والعامل في الحال معنى الاضافة إذ معناه الممازجة
٤٩
والمضافة والمثوى ليس بعامل لأن المكان لا يعمل في شيء ﴿ إِلا مَا شَآءَ اللَّهُ ﴾ [الأنعام : ١٢٨] أي يخلّدون في عذاب النار الأبد كله إلا ما شاء اللّه إلا الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب السعير إلى عذاب الزمهرير ﴿ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ ﴾ [الأنعام : ٨٣] فيما يفعل بأوليائه وأعدائه ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بأعمالهم فيجزي كلاً على وفق عمله ﴿ وَكَذَالِكَ نُوَلِّى بَعْضَ الظَّـالِمِينَ بَعْضَا ﴾ [الأنعام : ١٢٩] نتبع بعضهم بعضاً في النار، أو نسلط بعضهم على بعض أو نجعل بعضهم أولياء بعض ﴿ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام : ١٢٩] بسبب ما كسبوا من الكفر والمعاصي، ثم يقال لهم يوم القيامة على جهة التوبيخ ﴿ يَكْسِبُونَ * يَـامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالانسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ ﴾ عن الضحاك : بعث إلى الجن رسلا منهم كما بعث إلى الإنس رسلاً منهم لأنهم بهم آنس وعليه ظاهر النص، وقال آخرون : الرسل من الإنس خاصة وإنما قيل ﴿ رُسُلٌ مِّنكُمْ ﴾ [الزمر : ٧١] لأنه لما جمع الثقلين في الخطاب صح ذلك وإن كان من أحدهما كقوله :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ [الرحمن : ٢٢] (الرحمن : ٢٢) أو رسلهم رسل نبينا كقوله ﴿ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ﴾ [الأحقاف : ٢٩] (الأحقاف : ٩٢) ﴿ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَـاتِى ﴾ [الأعراف : ٣٥] يقرءون كتبي ﴿ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـاذَا ﴾ [الأنعام : ١٣٠] يعني يوم القيامة ﴿ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا ﴾ [الأنعام : ١٣٠] بوجوب الحجة علينا وتبليغ الرسل إلينا ﴿ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَـافِرِينَ ﴾ بالرسل.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٩
﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى ما تقدم من بعثة الرسل إليهم وهو خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك ﴿ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَـافِلُونَ ﴾ [الأنعام : ١٣١] تعليل أي الأمر ما قصصنا عليك لانتفاء كون ربك مهلك القرى بظلم على أن " أن " مصدرية، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة، والمعنى لأن الشأن والحديث لم يكن ربك مهلك القرى بظلم بسبب ظلم أقدموا عليه أو ظالماً، على أنه لو أهلكهم وهم غافلون لم ينبهوا برسول وكتاب لكان ظالماً وهو متعال عنه ﴿ وَلِكُلِّ ﴾ من المكلفين ﴿ دَرَجَـاتٌ ﴾ منازل ﴿ مِّمَّا عَمِلُوا ﴾ [الأحقاف : ١٩] من جزاء أعمالهم، وبه استدل أبو يوسف ومحمد رحمهما الله على أن للجن الثواب بالطاعة لأنه ذكر عقيب ذكر الثقلين ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَـافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام : ١٣٢] بساه عنه وبالتاء شامي.