وموسوس إليه وهو الذي يلقى إليه الوسوسة.
ومعنى وسوس له فعل الوسوسة لأجله ووسوس إليه ألقاها إليه ﴿ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُارِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا ﴾ ليكشف لهما ما ستر عنهما من عوراتهما.
وفيه دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور، وأنه لم يزل مستقبحاً في الطباع والعقول.
فإن قلت : ما للواو المضمومة في لم تقلب همزة كما في " أو يصل " تصغير واصل وأصله " وويصل " فقلبت الواو همزة كراهة لاجتماع الواوين؟ قلت : لأن الثانية مدة كألف " وارى " فكما لم يجب همزها في " واعد " لم يجب في وهذا لأن الواوين إذا تحركتا ظهر فيهما من الثقل ما لا يكون فيهما إذا كانت الثانية ساكنة، وهذا مدرك بالضرورة فالتزموا إبدالها في موضع الثقل لا في غيره.
وقرأ عبد الله بالقلب ﴿ سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَـاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـاذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ ﴾ [الأعراف : ٢٠] إلا كراهة أن تكونا ملكين تعلمان الخير والشر وتستغنيان عن الغذاء.
وقرىء ﴿ مَلَكَيْنِ ﴾ لقوله ﴿ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ﴾ [طه : ١٢٠] (طه : ٠٢١) ﴿ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَـالِدِينَ ﴾ [الأعراف : ٢٠] من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين ﴿ وَقَاسَمَهُمَآ ﴾ وأقسم لهما ﴿ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّـاصِحِينَ ﴾ [الأعراف : ٢١] وأخرج قسم إبليس على زنة المفاعلة لأنه لما كان منه القسم ومنهما التصديق فكأنهما من اثنين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٧
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧١
﴿ فَدَلَّـاهُمَا ﴾ فنزلهما إلى الأكل من الشجرة ﴿ بِغُرُورٍ ﴾ بما غرهما به من القسم بالله وإنما يخدع المؤمن بالله.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما : من خدعنا بالله انخدعنا له ﴿ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ ﴾ [الأعراف : ٢٢] وجدا طعمها آخذين في الأكل منها وهي السنبلة أو الكرم ﴿ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا ﴾ [الأعراف : ٢٢] ظهرت لهما عوراتهما لتهافت اللباس عنهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر.
وقيل : كان لباسهما من جنس الأظفار أي كالظفر بياضاً في غاية اللطف واللين فبقي عند الأظفار تذكيراً للنعم وتجديداً للندم ﴿ وَطَفِقَا ﴾ وجعلا يقال طفق يفعل كذا أي جعل ﴿ يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾ [الأعراف : ٢٢] يجعلان على عورتهما من ورق التين أو الموز ورقة فوق ورقة ليستترا بها كما تخصف
٧١
النعل.
﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ﴾ [الأعراف : ٢٢] هذا عتاب من الله وتنبيه على الخطأ.
وروى أنه قال لآدم عليه السلام : ألم يكن لك فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة؟ فقال : بلى ولكن ما ظننت أن أحداً يحلف بك كاذباً قال : فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا بكد يمين وعرق جبين، فأهبط وعلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وسقى وحصد ودرس وذرى وطحن وعجن وخبز ﴿ الْخَـاسِرِينَ ﴾ فيه دليل لنا على المعتزلة لأن الصغائر عندهم مغفورة ﴿ قَالَ اهْبِطُوا ﴾ [الأعراف : ٢٤] الخطاب لآدم وحواء بلفظ الجمع لأن إبليس هبط من قبل، ويحتمل أنه هبط إلى السماء ثم هبطوا جميعاً إلى الأرض ﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ [طه : ١٢٣] في موضع الحال أي متعادين يعاديهما إبليس ويعاديانه ﴿ وَلَكُمْ فِى الارْضِ مُسْتَقَرٌّ ﴾ [البقرة : ٣٦] استقرار أو موضع استقرار ﴿ وَمَتَـاعٌ ﴾ وانتفاع بعيش ﴿ إِلَى حِينٍ ﴾ [البقرة : ٣٦] إلى انقضاء آجالكم.
وعن ثابت البناني : لما أهبط آدم عليه السلام وحضرته الوفاة وأحاطت به الملائكة فجعلت حواء تدور حولهم فقال لها : خلي ملائكة ربي فإنما أصابني ما أصابني فيك.
فلما توفي غسلته الملائكة بماء وسدر وتراً وحنطته وكفنته في وتر من الثياب وحفروا له قبراً ودفنوه بسرنديب بأرض الهند وقالوا لبنيه : هذه سنتكم بعده
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧١
﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ ﴾ [الأعراف : ٢٥] في الأرض ﴿ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف : ٢٥] للثواب والعقاب ﴿ تُخْرَجُونَ ﴾ حمزة وعلي ﴿ يَـابَنِى ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا ﴾ جعل ما في الأرض منزلاً من السماء
٧٢