لأن أصله من الماء وهو منها ﴿ يُوَارِى سَوْءَاتِكُمْ ﴾ [الأعراف : ٢٦] يستر عوراتكم ﴿ وَرِيشًا ﴾ لباس الزينة استعير من ريش الطير لأنه لباسه وزينته أي أنزلنا عليكم لباسين : لباساً يواري سوءاتكم ولباساً يزينكم ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ﴾ [الأعراف : ٢٦] ولباس الورع الذي يقي العقاب وهو مبتدأ وخبره الجملة وهي ﴿ ذَالِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف : ٢٦] كأنه قيل : ولباس التقوى هو خير لأن أسماء الإشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع إلى عود الذكر، أو ﴿ ذَالِكَ ﴾ صفة للمبتدأ و ﴿ خَيْرٌ ﴾ خبر المبتدأ كأنه قيل : ولباس التقوى المشار إليه خير، أو ﴿ لِبَاسَ الْجُوعِ ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي وهو لباس التقوى أي ستر العورة لباس المتقين، ثم قال ﴿ ذَالِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف : ٢٦] وقيل : ولباس أهل التقوى من الصوف والخشن.
﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ﴾ [الأعراف : ٢٦] مدني وشامي وعلي عطفا على ﴿ لِبَاسًا ﴾ أي وأنزلنا عليكم لباس التقوى ﴿ ذَالِكَ مِنْ ءَايَـاتِ اللَّهِ ﴾ [الكهف : ١٧] الدالة على فضله ورحمته على عباده يعني إنزال اللباس ﴿ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف : ٢٦] فيعرفوا عظيم النعمة فيه، وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدو السوءات وخصف الورق عليها إظهاراً للمنة فيما خلق من اللباس، ولما في العري من الفضيحة وإشعاراً بأن التستر من التقوى.
﴿ يَذَّكَّرُونَ * يَـابَنِى ءَادَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَـانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ ﴾ لا يخدعنكم ولا يضلنكم بأن لا تدخلوا الجنة كما فتن أبويكم بأن أخرجهما منها ﴿ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا ﴾ [الأعراف : ٢٧] حال أي أخرجهما نازعاً لباسهما بأن كان سبباً في أن نزع عنهما.
والنهي في الظاهر للشيطان وفي المعنى لبني آدم أي لا تتبعوا الشيطان فيفتنكم ﴿ لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ ﴾ [الأعراف : ٢٧] عوراتهما ﴿ أَنَّهُ ﴾ الضمير للشأن والحديث ﴿ يَرَاـاكُمْ هُوَ ﴾ [الأعراف : ٢٧] تعديل للنهي وتحذير من فتنته بأنه بمنزلة العدو المداجي يكيدكم من حيث لا تشعرون ﴿ وَقَبِيلُهُ ﴾ وذريته أو وجنوده من الشياطين وهو عطف على الضمير في ﴿ يَرَاـاكُم ﴾ المؤكد بـ ﴿ هُوَ ﴾، ولم يعطف عليه لأن معمول الفعل هو المستكن دون هذا البارز وإنما يعطف على ما هو معمول الفعل ﴿ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ﴾ [الأعراف : ٢٧] قال ذو النون : إن كان هو يراك من حيث لا تراه فاستعن بمن يراه من حيث لا يراه وهو الله الكريم الستار الرحيم الغفار.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧١
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَـاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف : ٢٧] فيه دلالة خلق الأفعال
٧٣