﴿ هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ﴾ حقد كان بينهم في الدنيا فلم يبق بينهم إلا التواد والتعاطف، وعن علي رضي الله عنه : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم ﴿ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الانْهَـارُ ﴾ [يونس : ٩] حال من " هم " في ﴿ صُدُورُهُمْ ﴾ والعامل فيها معنى الإضافة ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَاـانَا لِهَـاذَا ﴾ [الأعراف : ٤٣] لما هو وسيلة إلى هذا الفوز العظيم وهو الإيمان ﴿ وَمَا كُنَّا ﴾ [يوسف : ٧٣] ﴿ مَا كُنَّا ﴾ [الملك : ١٠] بغير " واو " : شامي على أنها جملة موضحة للأولى ﴿ لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَاـانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف : ٤٣] اللام لتوكيد النفي أي وما كان يصح أن نكون مهتدين لولا هداية الله، وجواب " لولا " محذوف دل عليه ما قبله ﴿ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ﴾ [الأعراف : ٤٣] فكان لطفاً لنا وتنبيهاً على الاهتداء فاهتدينا، يقولون ذلك سروراً بما نالوا وإظهاراً لما اعتقدوا ﴿ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ ﴾ [الأعراف : ٤٣] " أن " مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، والجملة بعدها خبرها تقديره ونودوا بأنه تلكم الجنة.
والهاء ضمير الشأن، أو بمعنى أي كأنه قيل، لهم تلكم الجنة ﴿ أُورِثْتُمُوهَا ﴾ أعطيتموها وهو حال من ﴿ الْجَنَّةِ ﴾ والعامل فيها ما في ﴿ تِلْكَ ﴾ من معنى الإشارة ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : ١٠٥] سماها ميراثاً لأنها لا تستحق بالعمل بل هي محض فضل الله وعده على الطاعات كالميراث من الميت ليس بعوض عن شيء بل هو صلة خالصة.
وقال الشيخ أبو منصور رحمه الله : إن المعتزلة خالفوا الله فما أخبر ونوحاً عليه السلام وأهل الجنة والنار وإبليس، لأنه قال الله تعالى ﴿ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ ﴾ [النحل : ٩٣] (النحل : ٣٩) وقال نوح عليه السلام :﴿ وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ﴾ [هود : ٣٤] (هود : ٤٣) وقال أهل الجنة :﴿ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَاـانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف : ٤٣].
وقال أهل النار :﴿ لَوْ هَدَاـانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَـاكُمْ ﴾ [إبراهيم : ٢١] (ابراهيم : ١٢) وقال إبليس ﴿ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى ﴾ [الأعراف : ١٦].
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧٦
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧٩
﴿ وَنَادَى أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ أَصْحَـابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا ﴾ [الأعراف : ٤٤] " أن " مخففة من الثقيلة أو مفسرة
٧٩
وكذلك ﴿ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـالِمِينَ ﴾ [الأعراف : ٤٤] ﴿ مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا ﴾ [الأعراف : ٤٤] من الثواب ﴿ حَقًّا ﴾ حال ﴿ فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ ﴾ [الأعراف : ٤٤] من العذاب ﴿ حَقًّا ﴾ وتقديره وعدكم ربكم فحذف " كم " لدلالة ﴿ وَعَدَنَا رَبُّنَا ﴾ [الأعراف : ٤٤] عليه.
وإنما قالوا لهم ذلك شماتة بأصحاب النار واعترافاً بنعم الله تعالى ﴿ قَالُوا نَعَمْ ﴾ [الأعراف : ٤٤] وبكسر العين حيث كان : عليٌّ ﴿ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الأعراف : ٤٤] نادى مناد وهي ملك يسمع أهل الجنة والنار ﴿ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـالِمِينَ ﴾ [الأعراف : ٤٤] ﴿ أَن لَّعْنَةُ ﴾ [الأعراف : ٤٤] مكي وشامي وحمزة وعلي ﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ ﴾ [الأعراف : ٤٥] يمنعون ﴿ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [محمد : ١] دينه ﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ [إبراهيم : ٣] مفعول ثان لـ " يبغون " أي ويطلبون لها الاعوجاج والتناقض ﴿ وَهُم بِالاخِرَةِ ﴾ [الأعراف : ٤٥] بالدار الآخرة ﴿ كَـافِرُونَ * وَبَيْنَهُمَا ﴾ وبين الجنة والنار أو بين الفريقين ﴿ حِجَابٍ ﴾ وهو السور المذكور في قوله :﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ ﴾ [الحديد : ١٣] (الحديد : ٣١) ﴿ وَعَلَى الاعْرَافِ ﴾ [الأعراف : ٤٦] على أعراف الحجاب وهو السور المضروب بين الجنة والنار وهي أعاليه جمع عرف، استعير من عرف الفرس وعرف الديك ﴿ رِجَالٌ ﴾ من أفاضل المسلمين أو من آخرهم دخولاً في الجنة لاستواء حسناتهم وسيآتهم، أو من لم يرض عنه أحد أبويه أو أطفال المشركين ﴿ يَعْرِفُونَ كُلَّا ﴾ [الأعراف : ٤٦] من زمرة السعداء والأشقياء
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧٩


الصفحة التالية
Icon