﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [فاطر : ٣٤] تعليم اللفظ والمعنى مع تعريض الاستغناء أي الحمد له وإن لم تحمدوه ﴿ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ ﴾ [الأنعام : ٧٣] جمع السموات لأنها طباق بعضها فوق بعض.
والأرض وإن كانت سبعة عند الجمهور فليس بعضها فوق بعض بل بعضها موال لبعض.
" جعل " يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ كقوله
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥
﴿ وَجَعَلَ الظُّلُمَـاتِ وَالنُّورَ ﴾ [الأنعام : ١] وإلى مفعولين إن كان بمعنى " صير " كقوله ﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَـائكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَـادُ الرَّحْمَـانِ إِنَـاثًا ﴾ [الزخرف : ١٩].
(الزخرف : ٩١) وفيه رد قول الثنوية بقدم النور والظلمة، وأفرد النور لإرادة الجنس ولأن ظلمة كل شيء تختلف باختلاف ذلك الشيء، نظيره ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الموضع المظلم يخالف كل واحد منها صاحبها، والنور ضرب واحد لا يختلف كما تختلف الظلمات، وقدم الظلمات لقوله عليه السلام :" خلق اللّه خلقه في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور
اهتدى ومن أخطأه ضل " ﴿ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الأنعام : ١] بعد هذا البيان ﴿ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام : ١] يساوون به الاوثان، تقول عدلت بذا أي ساويته به، والباء في ﴿ بِرَبِّهِمْ ﴾ لا للكفر، أو ثم الذين كفروا بربهم يعدلون عنه أي يعرضرن عنه فتكون الباء صلة للكفر وصلة ﴿ يَعْدِلُونَ ﴾ أي عنه محذوفة، وعطف ﴿ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الأنعام : ١] على ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [فاطر : ٣٤] على معنى أن الله حقيق بالحمد على ما خلق إلا نعمة، ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته، أو على خلق السماوات على معنى أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه.
ومعنى " ثم " استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته.
﴿ هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ﴾ [الأنعام : ٢] " من " لابتداء الغاية أي ابتداء خلق أصلكم يعنى آدم منه ﴿ ثُمَّ قَضَى أَجَلا ﴾ [الأنعام : ٢] أي حكم الموت ﴿ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ﴾ [الأنعام : ٢] أجل القيامة، أو الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت، والثاني ما بين الموت والبعث وهو البرزخ.
أو الأول، والثاني الموت، أو الثاني هو الأول وتقديره : وهو أجل مسمى أي معلوم، و ﴿ أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [نوح : ٤] مبتدأ والخبر ﴿ عِندَهُ ﴾ وقدم المبتدأ وإن كان نكرة والخبر ظرفاً وحقه التأخير لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة ﴿ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ﴾ [
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥
الأنعام : ٢] تشكون من المرية أو تجادلون من المراء.
ومعنى " ثم " استبعاد أن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم ﴿ وَهُوَ اللَّهُ ﴾ [الأنعام : ٣] مبتدأ وخبر ﴿ السَّمَـاوَاتِ وَفِى الارْضِ ﴾ [الأنعام : ٣] متعلق بمعنى اسم الله كأنه قيل : وهو المعبود فيهما كقوله ﴿ وَهُوَ الَّذِى فِى السَّمَآءِ إِلَـاهٌ وَفِى الارْضِ إِلَـاهٌ ﴾ [الزخرف : ٨٤] (الزخرف : ٤٨) أو المعروف بالإلهية فيهما، أو هو الذي يقال له الله فيهما، والأول تفريع على أنه مشتق وغيره على أنه غير مشتق ﴿ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ﴾ [الأنعام : ٣] خبر بعد خبر أو كلام مبتدأ أي هو يعلم سركم وجهكم ﴿ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام : ٣] من الخير والشر ويثيب عليه ويعاقب، و " من " في ﴿ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَةٍ ﴾ [الأنعام : ٤] للاستغراق وفي ﴿ مِّنْ ءَايَـاتِ رَبِّهِمْ ﴾ [الأنعام : ٤]
للتبعيض أي وما يظهر لهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاعتبار ﴿ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴾ [الأنعام : ٤] تاركين للنظر لا يلتفتون إليه لقلة خوفهم وتدبرهم في العواقب ﴿ فَقَدْ كَذَّبُوا ﴾ [الأنعام : ٥] مردود على كلام محذوف كأنه قيل : إن كانوا معرضين على الآيات فقد كذبوا ﴿ بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ ﴾ [الأنعام : ٥] أي بما هو أعظم آية وإكبرها وهو القرآن الذي تحدوا به فعجزوا عنه ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنابَـاؤُا مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾ إي أنباء الشيء الذي كانوا به يستهزءون وهو القرآن أي أخباره وأحواله يعني سيعلمون بأي شيء استهزؤوا وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا، أو يوم القيامة، أو عند ظهور الإسلام وعلو كلمته.


الصفحة التالية
Icon