جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥
﴿ أَلَمْ يَرَوْا ﴾ [النمل : ٨٦] يعني المكذبين ﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ ﴾ [الأنعام : ٦] هو مدة انقضاء أهل كل عصر وهو ثمانون سنة أو سبعون ﴿ مَّكَّنَّـاهُمْ ﴾ في موضع جر صفة لـ " قرن " وجمع على المعنى ﴿ فِى الارْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ ﴾ التمكين في البلاد إعطاء المكنة والمعنى : لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عاداً وثمود وغيرهم من البسطة في الأجسام والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا ﴿ وَأَرْسَلْنَا السَّمَآءَ ﴾ [الأنعام : ٦] المطر ﴿ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا ﴾ [الأنعام : ٦] كثيراً وهو حال من السماء ﴿ وَجَعَلْنَا الانْهَـارَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ ﴾ [الأنعام : ٦] من تحت أشجارهم والمعنى عاشوا في الخصب بين الأنهار والثمار وسقيا الغيث المدرار ﴿ فَأَهْلَكْنَـاهُم بِذُنُوبِهِمْ ﴾ [الانفال : ٥٤] ولم يغن ذلك عنهم شيئاً ﴿ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا ءَاخَرِينَ ﴾ [الأنعام : ٦] بدلاً منهم ﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـابًا ﴾ [الأنعام : ٧] مكتوباً ﴿ فِى قِرْطَاسٍ ﴾ [الأنعام : ٧] في ورق ﴿ فَلَمَسُوهُ ﴾ هو للتأكيد لئلا يقولوا سكرت أبصارنا ومن المحتج عليهم العمى ﴿ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـاذَآ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [الأنعام : ٧] تعنتاً وعناداً للحق بعد ظهوره ﴿ وَقَالُوا لَوْلا ﴾ [العنكبوت : ٥٠] هلا ﴿ أُنزِلَ عَلَيْهِ ﴾ [العنكبوت : ٥٠] على النبي صلى الله عليه وسلّم ﴿ مُلْكُ ﴾ يكلمنا أنه نبي فقال الله ﴿ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِىَ الامْرُ ﴾ [الأنعام : ٨] لقضي أمر هلاكهم ﴿ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ ﴾ [الأنعام : ٨] لا يمهلون
بعد نزوله طرفة عين لأنهم إذا شاهدوا ملكاً في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون.
ومعنى " ثم " بعدما بين الأمرين قضاء الأمر وعدم الإنظار، جعل عدم الإنظار أشد من قضاء الأمر لأن مفاجأه الشدة أشد من نفس الشدة ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَـاهُ مَلَكًا ﴾ [الأنعام : ٩] ولو جعلنا الرسول ملكاً كما اقترحوا لأنهم كانوا يقولون تارة لولا أنزل على محمد ملك، وتارة يقولون ما هذا إلا بشر مثلكم ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة ﴿ لَّجَعَلْنَـاهُ رَجُلا ﴾ [الأنعام : ٩] لأرسلناه في صورة رجل كما كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أعم الأحوال في صورة دحية، لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة في صورهم ﴿ وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ﴾ [الأنعام : ٩] ولخلطنا وأشكلنا عليهم من أمره إذا كان سبيله كسبيلك يا محمد، فإنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة الإنسان هذا إنسان وليس بملك.
يقال لبست الأمر على القوم وألبسته إذا أشبهته وأشكلته عليهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥
ثم سلى نبيه على ما أصابه من استهزاء قومه بقوله ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِى َ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾ [الأنعام : ١٠] فأحاط بهم الشيء الذي كانوا يستهزئون به وهو الحق حيث أهلكوا من أجل استهزائهم به و " منهم " متعلق بـ " سخروا " كقوله ﴿ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ﴾ [التوبة : ٧٩] (التوبة : ٩٧) والضمير للرسل والدال مكسورة عند أبي عمرو وعاصم لا لتقاء الساكنين، وضمها غيرهما إتباعاً لضم التاء ﴿ قُلْ سِيرُوا فِى الارْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [الأنعام : ١١] والفرق بين فانظروا وبين ﴿ ثُمَّ انظُرُوا ﴾ [الأنعام : ١١] إن النظر جعل مسبباً عن السير في " فانظروا " فكأنه قيل :