﴿ قَالَ الْمَلا ﴾ [الأعراف : ٧٥] أي الأشراف والسادة ﴿ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاـاكَ فِي ضَلَـالٍ مُّبِينٍ ﴾ [الأعراف : ٦٠] أي بين في ذهاب عن طريق الصواب، والرؤية رؤية القلب ﴿ قَالَ يَـاقَوْمِ لَيْسَ بِى ضَلَـالَةٌ ﴾ ولم يقل ضلال كما قالوا لأن الضلالة أخص من الضلال فكانت أبلغ في نفي الضلال عن نفسه كأنه قال : ليس بي شيء من الضلال.
ثم استدرك لتأكيد نفي الضلالة فقال ﴿ وَلَـاكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الأعراف : ٦١] لأن كونه رسولاً من الله مبلغاً لرسالاته في معنى كونه على الصراط المستقيم فكان في الغاية القصوى من الهدى
٨٥
﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَـالَـاتِ رَبِّى ﴾ ما أوحي إلي في الأوقات المتطاولة أو في المعاني المختلفة من الأوامر والنواهي والمواعظ والبشائر والنظائر.
﴿ أُبَلِّغُكُمْ ﴾ أبو عمرو.
وهو كلام مستأنف بيان لكونه رسول رب العالمين ﴿ وَأَنصَحُ لَكُمْ ﴾ [الأعراف : ٦٢] وأقصد صلاحكم بإخلاص.
يقال نصحته ونصحت له، وفي زيادة اللام مبالغة ودلالة على إمحاض النصيحة.
وحقيقة النصح إرادة الخير لغيرك مما تريده لنفسك أو النهاية في صدق العناية ﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف : ٦٢] أي من صفاته يعني قدرته الباهرة وشدة بطشه على أعدائه وأن بأسه لا يرد عن القوم المجرمين ﴿ أَوَ عَجِبْتُمْ ﴾ [الأعراف : ٦٣] الهمزة للإنكار والواو للعطف والمعطوف عليه محذوف كأنه قيل : أكذبتم وعجبتم ﴿ أَن جَآءَكُمْ ﴾ [الأعراف : ٦٣] من أن جاءكم ﴿ ذُكِرَ ﴾ موعظة ﴿ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ ﴾ [الأعراف : ٦٣] على لسان رجل منكم أي من جنسكم، وذلك أنهم كانوا يتعجبون من نبوة نوح عليه السلام ويقولون ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين يعنون إرسال البشر ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة ﴿ لِيُنذِرَكُمْ ﴾ ليحذركم عاقبة الكفر ﴿ وَلِتَتَّقُوا ﴾ ولتوجد منكم التقوى وهي الخشية بسبب الإنذار ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف : ٦٣] ولترحموا بالتقوى إن وجدت منكم
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٨٥
﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ فنسبوه إلى الكذب ﴿ فَأَنجَيْنَـاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾ [الأعراف : ٧٢] وكانوا أربعين رجلاً وأربعين امرأة وقيل تسعة : بنوه سام وحام ويافث، وستة ممن آمن به ﴿ فِى الْفُلْكِ ﴾ [العنكبوت : ٦٥] يتعلق بمعه كأنه قيل : والذين صحبوه في الفلك ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَـاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ ﴾ [الأعراف : ٦٤] عن الحق.
يقال أعمى في البصر وعمٍ في البصيرة.
﴿ وَإِلَى عَادٍ ﴾ [الأعراف : ٦٥] وأرسلنا إلى عاد وهو عطف على ﴿ نُوحًا ﴾ ﴿ أَخَاهُمْ ﴾ واحداً منهم من قولك " يا أخا العرب " للواحد منهم.
وإنما جعل واحداً منهم لأنهم عن رجل
٨٦
منهم أفهم فكانت الحجة عليهم ألزم ﴿ هُودًا ﴾ عطف بيان لـ ﴿ أَخَاهُمْ ﴾ وهو هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح ﴿ قَالَ يَـاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُا أَفَلا تَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف : ٦٥] وإنما لم يقل ﴿ فَقَالَ ﴾ كما في قصة نوح عليه السلام لأنه على تقدير سؤال سائل قال : فما قال لهم هود؟ فقيل :﴿ فَقَالَ يَـاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ وكذلك ﴿ قَالَ الْمَلا الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ ﴾ [الأعراف : ٦٦] وإنما وصف الملأ بالذين كفروا دون الملأ من قوم نوح لأن في أشراف قوم هود من آمن به منهم مرثد بن سعد فأريدت التفرقة بالوصف، ولم يكن في أشراف قوم نوح عليه السلام مؤمن ﴿ إِنَّا لَنَرَاـاكَ فِي سَفَاهَةٍ ﴾ [الأعراف : ٦٦] في خفة حلم وسخافة عقل حيث تهجر دين قومك إلى دين آخر.
وجعلت السفاهة ظرفاً مجازاً يعني أنه متمكن فيها غير منفك عنها ﴿ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَـاذِبِينَ ﴾ [الأعراف : ٦٦] في ادعائك الرسالة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٨٥


الصفحة التالية
Icon