﴿ قَالَ يَـا ءادَمُ أَنابِئْهُم ﴾ فيما أدعوكم إليه ﴿ أَمِينٌ ﴾ على ما أقول لكم.
وإنما قال هنا ﴿ وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾ [الأعراف : ٦٨] لقولهم ﴿ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَـاذِبِينَ ﴾ [الأعراف : ٦٦] أي ليقابل الاسم الاسم، وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام من ينسبهم إلى الضلالة والسفاهة بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء وترك المقابلة بما قالوا لهم مع علمهم بأن خصومهم أضل الناس وأسفههم، أدب حسن وخلق عظيم، وإخبار الله تعالى ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسلبون أذيالهم على ما يكون منهم ﴿ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ﴾ [الأعراف : ٦٩] أي خلفتموهم في الأرض أو في مساكنهم.
و " إذ " مفعول به وليس بظرف أي اذكروا وقت استخلافكم ﴿ وَزَادَكُمْ فِى الْخَلْقِ ﴾ طولاً وامتداداً فكان أقصرهم ستين ذراعاً وأطولهم مائة ذراع ﴿ بَاصْطَةً ﴾ : حجازي وعاصم
٨٧
وعلي ﴿ فَاذْكُرُوا ءَالاءَ اللَّهِ ﴾ في استخلافكم وبسطة أجرامكم وما سواهما من عطاياه.
وواحد الآلاء " إلى " نحو " إنى " و " آناء " ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة : ١٨٩].
ومعنى المجيء في ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا ﴾ [الأنبياء : ٥٥] أن يكون لهود عليه السلام مكان معتزل عن قومه يتحنث فيه كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحراء قبل المبعث، فلما أوحي إليه جاء قومه يدعوهم ﴿ لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا ﴾ [الأعراف : ٧٠] أنكروا واستبعدوا اختصاص الله وحده بالعبادة وترك دين الآباء في اتخاذ الأصنام شركاء معه حباً لما نشئوا عليه ﴿ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ ﴾ [الأعراف : ٧٠] من العذاب ﴿ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـادِقِينَ ﴾ [الأعراف : ٧٠] أن العذاب نازل بنا ﴿ قَالَ قَدْ وَقَعَ ﴾ [الأعراف : ٧١] أي قد نزل ﴿ عَلَيْكُمْ ﴾ جعل المتوقع الذي لا بد من نزوله بمنزلة الواقع كقولك لمن طلب إليك بعض المطالب " قد كان " ﴿ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ ﴾ [الأعراف : ٧١] عذاب ﴿ وَغَضَبٌ ﴾ سخط ﴿ فِى أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ ﴾ في أشياء ما هي إلا أسماء ليس تحتها مسميات لأنكم تسمون الأصنام آلهة وهي خالية عن معنى الأولوهية ﴿ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـانٍ ﴾ [الأعراف : ٧١] حجة ﴿ فَانتَظِرُوا ﴾ نزول العذاب ﴿ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ﴾ [الأعراف : ٧١] ذلك.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٨٥
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٨٨
﴿ فَأَنجَيْنَـاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾ [الأعراف : ٧٢] أي من آمن به ﴿ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَا ﴾ [الأعراف : ٧٢] الدابر الأصل أو الكائن خلف الشيء، وقطع دابرهم استئصالهم وتدميرهم عن آخرهم ﴿ وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف : ٧٢] فائدة نفي الإيمان عنهم مع إثبات التكذيب بآيات الله الإشعار بأن الهلاك خص المكذبين.
وقصتهم أن عاداً قد تبسطوا في البلاد ما بين عمان وحضرموت، وكانت لهم أصنام يعبدونها صداء وصمود والهباء، فبعث الله إليهم هوداً فكذبوه فأمسك القطر عنهم ثلاث سنين.
وكانوا إذا نزل بهم بلاء طلبوا إلى الله الفرج منه عند بيته الحرام فأوفدوا إليه ـ قيل بن عتر ونقيم بن هزال ومرثد بن سعد ـ وكان يكتم إيمانه بهود عليه السلام وأهل مكة إذ ذاك العماليق أولاد عمليق بن لاوز بن سام بن نوح وسيدهم معاوية بن بكر، فنزلوا عليه بظاهر مكة
٨٨