﴿ قَالَ الْمَلا الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ ﴾ [الأعراف : ٧٥] ﴿ وَقَالَ ﴾ شامي ﴿ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ﴾ [سبأ : ٣٢] للذين استضعفهم رؤساء الكفار ﴿ لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ ﴾ [الأعراف : ٧٥] بدل من ﴿ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ﴾ [القصص : ٥] بإعادة الجار، وفيه دليل على أن البدل حيث جاء كان في تقدير إعادة العامل، والضمير في ﴿ مِنْهُمْ ﴾ راجع إلى قومه وهو يدل على أن استضعافهم كان مقصوراً على المؤمنين، أو إلى ﴿ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ﴾ [القصص : ٥] وهو يدل على أن المستضعفين كانوا مؤمنين وكافرين ﴿ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَـالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾ [الأعراف : ٧٥] قالوه على سبيل السخرية ﴿ قَالُوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف : ٧٥] وإنما صار هذا جواباً لهم لأنهم سألوهم عن العلم بإرساله أمراً معلوماً مسلماً كأنهم قالوا : العلم بإرساله وبما أرسل به لا شبهة فيه، وإنما الكلام في وجوب الإيمان به فنخبركم أنابه مؤمنون ﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِى ءَامَنتُم بِهِ كَـافِرُونَ ﴾ [الأعراف : ٧٦] فوضعوا ﴿ الانسَـانُ أَلَّن ﴾ [يونس : ٥١] موضع أرسل به رداً لما جعله المؤمنون معلوماً مسلماً ﴿ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ ﴾ [الأعراف : ٧٧] أسند العقر إلى جميعهم وإن كان العاقر قدار بن سالف
٩٠
لأنه كان برضاهم.
وكان قدار أحمر أزرق قصيراً كما كان فرعون كذلك.
وقال عليه السلام :" يا علي، أشقى الأولين عاقر ناقة صالح وأشقى الآخرين قاتلك " ﴿ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ﴾ [الأعراف : ٧٧] وتولوا عنه واستكبروا وأمر ربهم ما أمر به على لسان صالح عليه السلام من قوله ﴿ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ اللَّهِ ﴾ [الأعراف : ٧٣] أو شأن ربهم وهو دينه ﴿ وَقَالُوا يَـاصَـالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ ﴾ من العذاب ﴿ إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾ الصيحة التي زلزلت لها الأرض واضطربوا لها
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٨٨
﴿ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ ﴾ [الأعراف : ٧٨] في بلادهم أو مساكنهم ﴿ جَـاثِمِينَ ﴾ ميتين قعوداً.
يقال : الناس جثم أي قعود لا حراك بهم ولا يتكلمون ﴿ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ ﴾ [الأعراف : ٧٩] لما عقروا الناقة ﴿ وَقَالَ يَـا أَبَتِ هَـاذَا تَأْوِيلُ رُءْيَـاىَ ﴾ عند فراقه إياهم ﴿ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ﴾ الآمرين بالهدى لاستحلاء الهوى والنصيحة منيحة تدرأ الفضيحة، ولكنها وخيمة تورث السخيمة.
روي أن عقرهم الناقة كان يوم الأربعاء فقال صالح : تعيشون بعده ثلاثة أيام، تصفر وجوهكم أول يوم، وتحمر في الثاني، وتسود في الثالث، ويصيبكم العذاب في الرابع وكان كذلك.
روي أنه خرج في مائة وعشرة من المسلمين وهو يبكي، فلما علم أنهم هلكوا رجع بمن معه فسكنوا ديارهم.
﴿ النَّـاصِحِينَ * وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ﴾ [الأعراف : ٨٠] أي واذكر لوطاً " وإذ " بدل منه ﴿ أَتَأْتُونَ الْفَـاحِشَةَ ﴾ [الأعراف : ٨٠] أتفعلون السيئة المتمادية في القبح ﴿ مَا سَبَقَكُم بِهَا ﴾ [الأعراف : ٨٠] ما عملها قبلكم والباء للتعدية ومنه قوله عليه السلام " سبقك بها عكاشة " ﴿ مِّنْ أَحَدٍ ﴾ [النور : ٢١] " من " زائدة لتأكيد المنفي وإفادة معنى الاستغراق ﴿ مِّنَ الْعَـالَمِينَ ﴾ [المائدة : ٢٠] " من " للتبعيض وهذه جملة مستأنفة أنكر عليهم أولاً بقوله ﴿ أَتَأْتُونَ الْفَـاحِشَةَ ﴾ [الأعراف : ٨٠] ثم وبخهم عليها فقال أنتم أول من عملها.
وقوله تعالى
٩١
﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ ﴾ [الأعراف : ٨١] بيان لقوله ﴿ أَتَأْتُونَ الْفَـاحِشَةَ ﴾ [الأعراف : ٨٠] والهمز مثلها في ﴿ أَتَأْتُونَ ﴾ للإنكار.
﴿ إِنَّكُمْ ﴾ على الإخبار : مدني وحفص.
يقال : أتى المرأة إذا غشيها ﴿ شَهْوَةً ﴾ مفعول له أي للاشتهاء لا حامل لكم عليه إلا مجرد الشهوة، ولا ذم أعظم منه لأنه وصف لهم بالبهيمية ﴿ مِّن دُونِ النِّسَآءِ ﴾ [الأعراف : ٨١] أي لا من النساء ﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ [الأعراف : ٨١] أضرب عن الإنكار إلى الإخبار عنهم بالحال التي توجب ارتكاب القبائح وهو أنهم قوم عادتهم الإسراف وتجاوز الحدود في كل شيء فمن ثمّ أسرفوا في باب قضاء الشهوة حتى تجاوزوا المعتاد إلى غير المعتاد.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٨٨


الصفحة التالية
Icon