﴿ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ﴾ أي لوطاً ومن آمن معه يعني ما أجابوه بما يكون جواباً عما كلمهم به لوط من إنكار الفاحشة، ووصفهم بصفة الإسراف الذي هو أصل الشر، ولكنهم جاءوا بشيء آخر لا يتعلق بكلامه ونصيحته من الأمر بإخراجه ومن معه من المؤمنين من قريتهم ﴿ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [الأعراف : ٨٢] يدّعون الطهارة ويدعون فعلنا الخبيث عن ابن عباس رضي الله عنهما : عابوهم بما يتمدح به ﴿ فَأَنجَيْنَـاهُ وَأَهْلَهُ ﴾ [النمل : ٥٧] ومن يختص به من ذويه أو من المؤمنين ﴿ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَـابِرِينَ ﴾ [الأعراف : ٨٣] من الباقين في العذاب، والتذكير لتغليب الذكور على الإناث وكانت كافرة موالية لأهل سدوم، وروي أنها التفتت فأصابها حجر فماتت ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا ﴾ [الأعراف : ٨٤] وأرسلنا عليهم نوعاً من المطر عجيباً قالوا : أمطر الله عليهم الكبريت والنار.
وقيل : خسف بالمقيمين منهم وأمطرت حجارة على مسافريهم.
وقال أبو عبيدة : أمطر في العذاب ومطر في الرحمة ﴿ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأعراف : ٨٤] الكافرين.
٩٢
﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ ﴾ [العنكبوت : ٣٦] وأرسلنا إلى مدين وهو اسم قبيلة ﴿ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ﴾ [العنكبوت : ٣٦] يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه وكانوا أهل بخس للمكاييل والموازين ﴿ يَـاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُا قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ أي معجزة وإن لم تذكر في القرآن ﴿ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ ﴾ [الأعراف : ٨٥] أتموهما والمراد فأوفوا الكيل ووزن الميزان، أو يكون الميزان كالميعاد بمعنى المصدر ﴿ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ ﴾ [الأعراف : ٨٥] ولا تنقصوا حقوقهم بتطفيف الكيل ونقصان الوزن، وكانوا يبخسون الناس كل شيء في مبايعتهم.
" وبخس " يتعدى إلى مفعولين وهما الناس وأشياءهم تقول : بخست زيداً حقه أي نقصته إياه ﴿ وَلا تُفْسِدُوا فِى الارْضِ بَعْدَ إِصْلَـاحِهَا ﴾ [
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٨٨
الأعراف : ٥٦] بعد الإصلاح فيها أي لا تفسدوا فيها بعدما أصلح فيها الصالحون من الأنبياء والأولياء.
وإضافته كإضافة ﴿ بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ [سبأ : ٣٣] (سبأ : ٣٣) أي بل مكركم في الليل والنهار ﴿ ذالِكُمْ ﴾ إشارة إلى ما ذكر من الوفاء بالكيل والميزان وترك البخس والإفساد في الأرض ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [البقرة : ١٨٤] في الإنسانية وحسن الأحدوثة ﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة : ٩١] مصدقين لي في قولي ﴿ وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ ﴾ [الأعراف : ٨٦] بكل طريق ﴿ تُوعَدُونَ ﴾ من آمن بشعيب بالعذاب ﴿ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأعراف : ٨٦] عن العبادة ﴿ مَنْ ءَامَنَ بِهِ ﴾ [الأعراف : ٨٦] بالله وقيل : كانوا يقطعون الطرق.
وقيل : كانوا عشارين ﴿ وَتَبْغُونَهَا ﴾ وتطلبون لسبيل الله ﴿ عِوَجَا ﴾ أي تصفونها للناس بأنها سبيل معوجه غير مستقيمة لتمنعوهم عن سلوكها.
ومحل ﴿ تُوعَدُونَ ﴾ وما عطف عليه النصب على الحال أي لا تقعدوا موعدين وصادين عن سبيل الله وباغين عوجاً ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلا ﴾ [الأعراف : ٨٦] " إذ " مفعول به غير ظرف أي واذكروا على
٩٣
جهة الشكر وقت كونكم قليلاً عددكم ﴿ فَكَثَّرَكُمْ ﴾ الله ووفر عددكم.
وقيل : إن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت فرمى الله في نسلها بالبركة والنماء فكثروا ﴿ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف : ٨٦] آخر أمر من أفسد قبلكم من الأمم كقوم نوح وهود ولوط عليهم السلام ﴿ فَاصْبِرُوا ﴾ فانتظروا ﴿ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا ﴾ [الأعراف : ٨٧] أي بين الفريقين بأن ينصر المحقين على المبطلين ويظهرهم عليهم، وهذا وعيد للكافرين بانتقام الله تعالى منهم، أو هو حث للمؤمنين على الصبر واحتمال ما كان يلحقهم من المشركين إلى أن يحكم الله بينهم وينتقم لهم منهم، أو هو خطاب للفريقين أي ليصبر المؤمنون على أذى الكفار، والكافرون على ما يسوءهم من إيمان من آمن منهم حتى يحكم الله فيميز الخبيث من الطيب.
﴿ وَهُوَ خَيْرُ الْحَـاكِمِينَ ﴾ [الأعراف : ٨٧] لأن حكمه حق وعدل لا يخاف فيه الجور.