﴿ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ ﴾ [الأعراف : ٧٩] بعد أن نزل بهم العذاب ﴿ وَقَالَ يَـا أَبَتِ هَـاذَا تَأْوِيلُ رُءْيَـاىَ ﴾ أحزن ﴿ عَلَى قَوْمٍ كَـافِرِينَ ﴾ [الأعراف : ٩٣] اشتد حزنه على قومه، ثم أنكر على نفسه فقال : كيف يشتد حزني على قوم ليسوا بأهل للحزن عليهم لكفرهم واستحقاقهم ما نزل بهم، أو أراد لقد أعذرت لكم في الإبلاغ والتحذير مما حل بكم فلم تصدقوني فكيف آسى عليكم ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّبِىٍّ ﴾ [الأعراف : ٩٤] يقال لكل مدينة قرية، وفيه حذف أي فكذبوه ﴿ إِلا أَخَذْنَآ أَهْلَهَا بِالْبَأْسَآءِ ﴾ [الأعراف : ٩٤] بالبؤس والفقر ﴿ وَالضَّرَّآءِ ﴾ الضر والمرض لاستكبارهم عن اتباع نبيهم، أو هما نقصان النفس والمال ﴿ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴾ [الأعراف : ٩٤] ليتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر ﴿ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ ﴾ [الأعراف : ٩٥] أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء، والمحنة : الرخاء والسعة والصحة ﴿ حَتَّى عَفَوا ﴾ [الأعراف : ٩٥] كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم من قولهم " عفا النبات " إذا كثر، ومنه قوله عليه السلام " واعفوا اللحى ".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٩٤
﴿ وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ ءَابَآءَنَا الضَّرَّآءُ وَالسَّرَّآءُ ﴾ [الأعراف : ٩٥] أي قالوا هذه عادة الدهر يعاقب في الناس بين الضراء والسراء وقد مس آباءنا نحو ذلك وما هو بعقوبة الذنب فكونوا على ما أنتم عليه ﴿ فَأَخَذْنَـاهُم بَغْتَةً ﴾ [الأعراف : ٩٥] فجأة ﴿ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [الأعراف : ٩٥] بنزول العذاب.
واللام في ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ﴾ [الأعراف : ٩٦] إشارة إلى أهل القرى التي دل عليها ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّبِىٍّ ﴾ [الأعراف : ٩٤] كأنه قال : ولو أن أهل تلك القرى الذين كذبوا وأهلكوا ﴿ ءَامَنُوا ﴾ بدل كفرهم ﴿ وَاتَّقَوْا ﴾ الشرك مكان ارتكابه ﴿ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم ﴾ [الأعراف : ٩٦] ﴿ لَفَتَحْنَا ﴾ شامي ﴿ بَرَكَـاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِ ﴾ [الأعراف : ٩٦] أراد المطر والنبات أو لآتيناهم بالخير من كل وجه
٩٦
﴿ وَلَـاكِن كَذَّبُوا ﴾ [الأعراف : ٩٦] الأنبياء ﴿ فَأَخَذْنَـاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف : ٩٦] بكفرهم وسوء كسبهم، ويجوز أن تكون اللام للجنس ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى ﴾ [الأعراف : ٩٧] يريد الكفار منهم ﴿ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ﴾ [الأعراف : ٩٧] عذابنا ﴿ بَيَـاتًا ﴾ ليلاً أي وقت بيات، يقال بات بياتاً
٩٧
﴿ وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى ﴾ نهاراً.
والضحى في الأصل ضوء الشمس إذا أشرقت.
والفاء والواو في ﴿ أَفَأَمِنَ ﴾ و ﴿ أَوَ أَمِنَ ﴾ [الأعراف : ٩٨] حرفا عطف دخل عليهما همزة الإنكار، والمعطوف عليه ﴿ فَأَخَذْنَـاهُم بَغْتَةً ﴾ [الأعراف : ٩٥] وقوله ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ﴾ [الأعراف : ٩٦] إلى ﴿ يَكْسِبُونَ ﴾ اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه.
وإنما عطفت بالفاء لأن المعنى فعلوا وصنعوا فأخذناهم بغتة، أبعد ذلك أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وأمنوا أن يأتيهم بأسنا ضحى ﴿ أَوَ أَمِنَ ﴾ [الأعراف : ٩٨] شامي وحجازي على العطف بـ " أو " والمعنى إنكار الأمن من أحد هذين الوجهين من إتيان العذاب ليلاً أو ضحى، فإن قلت : كيف دخل همزة الاستفهام على حرف العطف وهو ينافي الاستفهام؟ قلت : التنافي في المفرد لا في عطف جملة على جملة لأنه على استئناف جملة بعد جملة ﴿ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأعراف : ٩٨] يشتغلون بما لا يجدي عليهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٩٤