﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم ﴾ [الأعراف : ١٠٣] الضمير للرسل في قوله ﴿ وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم ﴾ [الأعراف : ١٠١] أو للأمم ﴿ مُّوسَى بِـاَايَـاتِنَآ ﴾ [إبراهيم : ٥] بالمعجزات الواضحات ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلايْهِ فَظَلَمُوا بِهَا ﴾ [الأعراف : ١٠٣] فكفروا بآياتنا، أجرى الظلم مجرى الكفر لأنهما من وادٍ واحد ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان : ١٣] (لقمان : ٣١) أو فظلموا الناس بسببها حين آذوا من آمن، أو لأنه إذا وجب الإيمان بها فكفروا بدل الإيمان كان كفرهم بها ظلماً حيث وضعوا الكفر غير موضعه وهو موضع الإيمان ﴿ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف : ١٠٣] حيث صاروا مغرقين ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَـافِرْعَوْنُ ﴾ يقال لملوك مصر " الفراعنة " كما يقال لملوك فارس " الأكاسرة "، وكأنه قال : يا ملك مصر ـ واسمه قابوس أو الوليد بن مصعب بن الريان ـ ﴿ إِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الأعراف : ١٠٤] إليك.
قال فرعون : كذبت.
فقال موسى :﴿ حَقِيقٌ عَلَى أَن لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ ﴾ [الأعراف : ١٠٥] أي أنا حقيق على قول الحق أي واجب على قول الحق أن أكون قائله والقائم به.
﴿ حَقِيقٌ عَلَى ﴾ نافع أي واجب عليّ ترك القول على الله إلا الحق أي الصدق، وعلى هذه القراءة تقف على ﴿ الْعَـالَمِينَ ﴾ وعلى الأول يجوز الوصل على جعل ﴿ حَقِيقٌ ﴾ وصف الرسول، و " على " بمعنى الباء كقراءة أبي أي إني رسول خليق بأن لا أقول، أو يعلق " على " بمعنى الفعل في الرسول أي إني رسول حقيق جدير بالرسالة أرسلت على أن لا أقول على الله إلا الحق ﴿ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ بما يبين رسالتي ﴿ فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ [الأعراف : ١٠٥] فخلهم يذهبوا معي راجعين إلى الأرض المقدسة التي هي وطنهم.
وذلك أن يوسف عليه السلام لما توفي غلب فرعون على نسل الأسباط واستعبدهم فأنقذهم الله بموسى عليه السلام، وكان بين اليوم الذي دخل يوسف عليه السلام مصر واليوم الذي دخله موسى أربعمائة عام
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٠٠
﴿ مَعِىَ ﴾ حفص ﴿ قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِـاَايَةٍ ﴾ [الأعراف : ١٠٦] من عند من أرسلك ﴿ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـادِقِينَ ﴾ [الأعراف : ١٠٦] فأتني بها لتصح دعواك ويثبت صدقك فيها ﴿ فَأُلْقِىَ ﴾ موسى عليه السلام ﴿ عَصَاهُ ﴾ من يده ﴿ فَإِذَا هِىَ ﴾ [الأعراف : ١٠٨] ﴿ إِذَآ ﴾ هذه للمفاجأة وهي من ظروف المكان بمنزلة " ثمة " و " هناك " ﴿ ثُعْبَانٌ ﴾ حية عظيمة ﴿ مُّبِينٌ ﴾ ظاهر أمره.
روي أنه كان ذكراً فاغراً فاه بين لحييه ثمانون ذراعاً، وضع لحيه الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر، ثم توجه نحو فرعون فهرب وأحدث ولم يكن أحدث قبل ذلك، وحمل على الناس فمات منهم خمسة وعشرون ألفاً قتل بعضهم بعضاً، فصاح فرعون : يا موسى خذه وأنا أومن بك فأخذه موسى فعاد عصاً ﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ ﴾ [الأعراف : ١٠٨] من جيبه ﴿ فَإِذَا هِىَ بَيْضَآءُ لِلنَّـاظِرِينَ ﴾ [الأعراف : ١٠٨] أي فإذا هي بيضاء للنظارة، ولا تكون بيضاء للنظارة إلا إذا كان بياضاً عجيباً خارجاً عن العادة يجمع الناس للنظر إليه.
روي أنه أرى فرعون يده وقال : ما هذه؟ فقال : يدك ثم أدخلها في جيبه ونزعها فإذا هي بيضاء غلب شعاعها شعاع الشمس، وكان موسى عليه السلام آدم شديد الأدمة.
﴿ قَالَ الْمَلا مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـاذَا لَسَـاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف : ١٠٩] عالم بالسحر ماهر فيه قد خيل إلى الناس العصاحية والآدم أبيض.
وهذا الكلام قد عزي إلى فرعون في سورة " الشعراء " وأنه قال للملأ، وهنا عزي إليهم فيحتمل أنه قد قاله هو وقالوه هم فحكي قوله ثمّة وقولهم هنا، أو قاله ابتداء فتلقنه منه الملأ فقالوه لأعقابهم ﴿ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ ﴾ [الأعراف : ١١٠] يعني مصر ﴿ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ [الأعراف : ١١٠] تشيرون من آمرته فأمرني بكذا إذا شاورته فأشار عليك برأي، وهو من كلام فرعون قاله للملأ لما قالوا له ﴿ قَالَ لِلْمَلا حَوْلَهُا إِنَّ هَـاذَا لَسَـاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [الشعراء : ٣٤]
١٠٠