﴿ لاقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَـافٍ ﴾ [الأعراف : ١٢٤] من كل شق طرفاً ﴿ ثُمَّ لاصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الأعراف : ١٢٤] هو أول من قطع من خلاف وصلب ﴿ قَالُوا إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ﴾ [الأعراف : ١٢٥] فلا نبالي بالموت لانقلابنا إلى لقاء ربنا ورحمته، أو إنا جميعاً يعنون أنفسهم وفرعون نقلب إلى الله فيحكم بيننا ﴿ وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلا أَنْ ءَامَنَّا بِـاَايَـاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا ﴾ [الأعراف : ١٢٦] وما تعيب منا إلا الإيمان بآيات الله، أرادوا وما تعيب منا إلا ما هو أصل المناقب والمفاخر وهو الإيمان ومنه قوله :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٠٠
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول من قراع الكتائب
﴿ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ﴾ [الأعراف : ١٢٦] أي اصبب صباً ذريعاً.
والمعنى هب لنا صبراً واسعاً وأكثره علينا حتى يفيض علينا ويغمرنا كما يفرغ الماء إفراغاً ﴿ وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾ [الأعراف : ١٢٦] ثابتين على الإسلام ﴿ وَقَالَ الْمَلا مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِى الارْضِ ﴾ [الأعراف : ١٢٧] أرض مصر بالاستعلاء فيها وتغيير دين أهلها لأنه وافق السحرة على الإيمان ستمائة ألف نفر ويذرك وءالهتك } عطف على ﴿ لِيُفْسِدُوا ﴾ قيل : صنع فرعون لقومه أصناماً وأمرهم أن يعبدوها تقرباً إليه كما يعبد عبدة الأصنام الأصنام ويقولون ليقربونا إلى الله زلفى، ولذلك ﴿ قَالَ أَنَا أُحْىِ وَأُمِيتُ ﴾ (النازعات : ٤٢) ﴿ قَالَ ﴾ فرعون مجيباً للملإ ﴿ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْىِ نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَـاهِرُونَ ﴾ [الأعراف : ١٢٧] ﴿ سَنُقَتِّلُ ﴾ حجازي أي سنعيد
١٠٣
عليهم قتل الأبناء ليعلموا أنا على ما كنا عليه من الغلبة والقهر وأنهم مقهورون تحت أيدينا كما كانوا، ولئلا يتوهم العامة أنه هو المولود الذي تحدث المنجمون بذهاب ملكنا على يده فيثبطهم ذلك عن طاعتنا ويدعوهم إلى اتباعه ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ﴾ [الأعراف : ١٢٨] قال لهم ذلك حين جزعوا من قول فرعون سنقتل أبناءهم تسلية لهم ووعداً بالنصر عليهم ﴿ إِنَّ الارْضَ ﴾ [الأعراف : ١٢٨] اللام للعهد أي أرض مصر أو للجنس فيتناول أرض مصر تناولاً أولياً ﴿ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [الأعراف : ١٢٨] فيه تنميته إياهم أرض مصر ﴿ وَالْعَـاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف : ١٢٨] بشارة بأن الخاتمة المحمودة للمتقين منهم ومن القبط.
وأخليت هذه الجملة عن الواو لأنها جملة مستأنفة بخلاف قوله ﴿ وَقَالَ الْمَلا ﴾ [الأعراف : ٩٠] لأنها معطوفة على ما سبقها من قوله ﴿ قَالَ الْمَلا مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ ﴾ [الأعراف : ١٠٩] ﴿ قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ﴾ [الأعراف : ١٢٩] يعنون قتل أبنائهم قبل مولد موسى إلى أن استنبىء وإعادته عليهم بعد لك، وذلك اشتكاء من فرعون واستبطاء لوعد النصر ﴿ قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى الارْضِ ﴾ [الأعراف : ١٢٩] تصريح بما رمز إليه من البشارة قبل وكشف عنه وهو إهلاك فرعون واستخلافهم بعده في أرض مصر ﴿ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف : ١٢٩] فيرى الكائن منكم من العمل حسنه وقبيحه وشكر النعمة وكفرانها ليجازيكم على حسب ما يوجد منكم.
وعن عمرو بن عبيد أنه دخل على المنصور قبل الخلافة وعلى مائدته رغيف أو رغيفان، وطلب المنصور زيادة لعمرو فلم توجد فقرأ عمرو هذه الآية، ثم دخل عليه بعد ما استخلف فذكر له ذلك وقال : قد بقي ﴿ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف : ١٢٩].
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٠٠
﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ ﴾ [الأعراف : ١٣٠] سني القحط وهن سبع سنين،
١٠٤