الأعراف : ١٤٢] ومن دعاك منهم إلى الإفساد فلا تتبعه ولا تطعه.
﴿ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى لِمِيقَـاتِنَا ﴾ [الأعراف : ١٤٣] لوقتنا الذي وقتنا له وحددنا.
ومعنى اللام الاختصاص أي اختص مجيئه لميقاتنا ﴿ وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾ [الأعراف : ١٤٣] بلا واسطة ولا كيفية.
وروي أنه كان يسمع الكلام من كل جهة.
وذكر الشيخ في التأويلات أن موسى عليه السلام سمع صوتاً دالاً على كلام الله تعالى، وكان اختصاصه باعتبار أنه أسمعه صوتاً تولى تخليقه من غير أن يكون ذلك الصوت مكتسباً لأحد من الخلق، وغيره يسمع صوتاً مكتسباً للعباد فيفهم منه كلام الله تعالى، فلما سمع كلامه طمع في رؤيته لغلبة شوقه فسأل الرؤية بقوله ﴿ قَالَ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف : ١٤٣] ثاني مفعولي ﴿ أَرِنِى ﴾ محذوف أي أرني ذاتك أنظر إليك يعني مكني من رؤيتك بأن تتجلى لي حتى أراك ﴿ أَرِنِى ﴾ مكي.
وبكسر الراء مختلسة : أبو عمرو، وبكسر الراء مشبعة : غيرهما وهو دليل لأهل السنة
١٠٩
على جواز الرؤية، فإن موسى عليه السلام اعتقد أن الله تعالى يرى حتى سأله واعتقاد جواز ما لا يجوز على الله كفر ﴿ قَالَ لَن تَرَانِى ﴾ [الأعراف : ١٤٣] بالسؤال بعين فانية بل بالعطاء والنوال بعين باقية، وهو دليل لنا أيضر لأنه لم يقل لن أرى ليكون نفياً للجواز، ولو لم يكن مرئياً لأخبر به بأنه ليس بمرئي إذ الحالة حالة الحاجة إلى البيان ﴿ وَلَـاكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ ﴾ [الأعراف : ١٤٣] بقي على حاله ﴿ فَسَوْفَ ﴾ وهو دليل لنا أيضاً لأنه علق الرؤية باستقرار الجبل وهو ممكن، وتعليق الشيء بما هو ممكن يدل على إمكانه كالتعليق بالممتنع يدل على امتناعه، والدليل على أنه ممكن قوله ﴿ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ﴾ [الأعراف : ١٤٣] ولم يقل " اندك " وما أوجده تعالى كان جائزاً أن لا يوجد لو لم يوجده لأنه مختار في فعله، ولأنه تعالى ما أيأسه عن ذلك ولا عاتبه عليه ولو كان ذلك محالاً لعاتبه كما عاتب نوحاً عليهالسلام بقوله :﴿ إِنِّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَـاهِلِينَ ﴾ [هود : ٤٦] (هود : ٦٤) حيث سأل إنجاء ابنه من الغرق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٠٨
﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ﴾ [الأعراف : ١٤٣] أي ظهر وبان ظهوراً بلا كيف.
قال الشيخ أبو منصور رحمه الله : معنى التجلي للجبل ما قاله الأشعري إنه تعالى خلق في الجبل حياة وعلماً ورؤية حتى رأى ربه، وهذا نص في إثبات كونه مرئياً، وبهذه الوجوة يتبين جهل منكري الرؤية وقولهم بأن موسى عليه السلام كان عالماً بأنه لا يرى ولكن طلب قومه أن يريهم ربه كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله ﴿ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ (البقرة : ٥٥) فلطلب الرؤية ليبين الله تعالى أنه ليس بمرئي باطل إذ لو كان كما زعموا لقال أرهم ينظروا إليك ثم يقول له : لن يروني.
ولأنها لو لم تكن جائزة لما أخر موسى عليه السلام الرد عليهم بل كان يرد عليهم وقت قرع كلامهم سماعه لما فيه من التقرير على الكفر، وهو عليه السلام بعث لتغييره لا لتقريره، ألا ترى أنهم لما قالوا له ﴿ اجْعَل لَّنَآ إِلَـاهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ ﴾ [الأعراف : ١٣٨] لم يمهلهم بل رد عليهم من ساعته بقوله ﴿ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف : ١٣٨] ﴿ جَعَلَهُ دَكًّا ﴾ [الأعراف : ١٤٣] مدكوكاً مصدر بمصدر بمعنى المفعول كضرب الأمير والدق والدك أخوان.
﴿ دَكَّآءَ ﴾ : حمزة وعلي.
أي مستوية بالأرض لا أكمة فيها وناقة دكاء لا سنام لها ﴿ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ﴾ [الأعراف : ١٤٣] حال أي سقط مغشياً عليه ﴿ فَلَمَّآ أَفَاقَ ﴾ [الأعراف : ١٤٣] من صعقته ﴿ قَالَ سُبْحَـانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف : ١٤٣] من السؤال في الدنيا ﴿ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف : ١٤٣] بعظمتك وجلالك، وبأنك لا تعطي الرؤية في الدنيا مع جوازها.
١١٠


الصفحة التالية
Icon