وقال الكعبي والأصم : معنى قوله ﴿ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف : ١٤٣] أرني آية أعلمك بها بطريق الضرورة كأني أنظر إليك ﴿ لَن تَرَانِى ﴾ [الأعراف : ١٤٣] لن تطيق معرفتي بهذه الصفة ﴿ وَلَـاكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ﴾ [الأعراف : ١٤٣] فإني أظهر له آية، فإن ثبت الجبل لتجليها و ﴿ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ ﴾ [الأعراف : ١٤٣] فسوف تثبت لها وتطيقها.
وهذا فاسد لأنه قال ﴿ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف : ١٤٣] ولم يقل " إليها " وقال ﴿ لَن تَرَانِى ﴾ [الأعراف : ١٤٣] ولم يقل لن ترى آيتي وكيف يكون معناه لن ترى آيتي وقد أراه أعظم الآيات حيث جعل الجبل دكاً.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٠٨
﴿ قَالَ يَـامُوسَى إِنِّى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ ﴾ اخترتك على أهل زمانك ﴿ بِرِسَـالَـاتِي ﴾ هي أسفار التوراة، برسالتي حجازي ﴿ وَبِكَلَـامِي ﴾ وبتكليمي إياك ﴿ فَخُذْ مَآ ءَاتَيْتُكَ ﴾ أعطيتك من شرف النبوة والحكمة ﴿ وَكُن مِّنَ الشَّـاكِرِينَ ﴾ على النعمة في ذلك فهي من أجل النعم، قيل خرَّ موسى صعقاً يوم عرفة، وأعطي التوراة يوم النحر، ولمال كان هارون وزيراً وتابعاً لموسى تخصَّص الاصطفاء بموسى عليه السلام.
﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِى الالْوَاحِ ﴾ ألواح التوراة جمع لوح، وكانت عشرة ألواح، وقيل سبعة، وكانت من زمرد، وقيل من خشب نزلت من السماء فيها التوراة ﴿ مِن كُلِّ شَىْءٍ ﴾ في محل النصب على أنه مفعول كتبنا ﴿ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلا لِّكُلِّ شَىْءٍ ﴾ بدل منه، والمعنى كتبنا له كل شيء كان بنو إسرائيل محتاجين اليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الاحكام وقيل أنزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير لم يقرأها كلها إلا أربعة نفر موسى ويوشع وعزيز وعيسى ﴿ فَخُذْهَا ﴾ فقلنا له خذها عطفا على كتبنا، والضمير للألواح أو لكل شيء، لأنه في معنى الأشياء ﴿ بِقُوَّةٍ ﴾ بجدٍ وعزيمةٍ، فعل أولي العزم من الرسل ﴿ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾ أي فيها ما هعو حسن وأحسن كالقصاص والعفو والانتصار والصبر فمرهم أن يأخذوا بما هو أدخل في
١١١
الحسن، وأكثر للثواب كقوله ﴿ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم ﴾ ﴿ سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الْفَـاسِقِينَ ﴾ دار فرعون وقومه وهي مصر ومنازل عادٍ وثمود والقرون المهلكة كيف أقفرت منهم لتعتبروا، فلا تفسقوا مثل فسقهم فينكل بكم مثل نكالهم أو جهنم.
﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَـاتِىَ ﴾ عن فهمها، قال ذو النون قدس الله روحه أبي الله أن يكرم قلوب البطالين بمكنون حكمة القرآن ﴿ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ ﴾ يتطاولون على الخلق ويأنفون عن قبول الحق، وحقيقته التكلف للكبرياء التي اختصت بالباري عزَّت قدرته ﴿ فِي الارْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ هو حال، أي يتكبرون غير محقين لأن التكبر بالحق لله وحده ﴿ وَإِن يَرَوْا كُلَّ ءَايَةٍ ﴾ من الآيات المنزلة عليهم ﴿ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ ﴾ صلاح الامر وطريق الهدى.
الرشد حمزة وعلي وهما كالسقم والسقم ﴿ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَىِّ ﴾ الضلال ﴿ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَالِكَ سَبِيلا ﴾ ومحل ﴿ ذَالِكَ ﴾ الرفع، أي الصرف ﴿ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَا ﴾ بسبب تكذيبهم ﴿ وَكَانُوا عَنْهَا غَـافِلِينَ ﴾ غفلة عناد وإعراض لا غفلة سهوٍ وجهل.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٠٨
﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَا وَلِقَآءِ الاخِرَةِ ﴾ هو من إضافة المصدر إلى المفعول به، أي ولقائهم الآخرة ومشاهدتهم أحوالها ﴿ حَبِطَتْ أَعْمَـالُهُمْ ﴾ خبر والذين ﴿ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ وهو تكذيب الأحوال بتكذيب الإرسال.
﴿ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ ﴾ [الأعراف : ١٤٨] من بعد ذهابه إلى الطور ﴿ مِنْ حُلِيِّهِمْ ﴾ [الأعراف : ١٤٨]
١١٢