الأعراف : ١٧٠] أي إنا لا نضيع أجرهم.
وجاز أن يكون مجروراً عطفاً على ﴿ الَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام : ٦٩] و ﴿ إِنَّا لا نُضِيعُ ﴾ [الأعراف : ١٧٠] اعتراض ﴿ وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ ﴾ [الأعراف : ١٧١] واذكروا إذا قلعناه ورفعناه كقوله ﴿ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ﴾ [البقرة : ٦٣] (البقرة : ٣٦) ﴿ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ﴾ [الأعراف : ١٧١] هي كل ما أظلك من سقيفة أو سحاب ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعُ بِهِمْ ﴾ [الأعراف : ١٧١] وعلموا أنه ساقط عليهم، وذلك أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لغلظها وثقلها فرفع الله الطور على رؤوسهم مقدار عسكرهم وكان فرسخاً في فرسخ.
وقيل لهم : إن قبلتموها بما فيها وإلا ليقعن عليكم.
فلما نظروا إلى الجبل خر كل رجل منهم ساجداً
١٢٢
على حاجبه الأيسر وهو ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقاً من سقوطه، فلذلك لا ترى يهودياً يسجد على حاجبه الأيسر ويقولون هي السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة، وقلنا لهم ﴿ خُذُوا مَآ ءَاتَيْنَـاكُم ﴾ [البقرة : ٦٣] من الكتاب ﴿ بِقُوَّةٍ ﴾ وعزم على احتمال مشاقه وتكاليفه ﴿ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ﴾ [البقرة : ٦٣] من الأوامر والنواهي ولا تنسوه ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة : ٢١] ما أنتم عليه.
﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ ﴾ أي واذكروا إذ أخذ ﴿ مِن ظُهُورِهِمْ ﴾ [الأعراف : ١٧٢] بدل من ﴿ وَإِذْ أَخَذَ ﴾ [الأعراف : ١٧٢] والتقدير : وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم ﴿ ذُرِّيَّتُهُم ﴾ ومعنى أخذ ذرياتهم من ظهورهم إخراجهم من أصلاب آبائهم ﴿ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَآ ﴾ [الأعراف : ١٧٢] هذا من باب التمثيل، ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الهدى والضلالة، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم : ألست بربكم؟ وكأنهم قالوا : بلى أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٢٢
﴿ أَن تَقُولُوا ﴾ [الأنعام : ١٥٦] مفعول له أي فعلنا ذلك من نصب الأدلة الشاهدة على صحتها العقول كراهة أن يقولوا ﴿ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـاذَا غَـافِلِينَ ﴾ [الأعراف : ١٧٢] لم ننبه عليه ﴿ أَوْ تَقُولُوا ﴾ [الأعراف : ١٧٣] أو كراهة أن يقولوا ﴿ إِنَّمَآ أَشْرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ﴾ [الأعراف : ١٧٣] فاقتدينا بهم لأن نصب الأدلة على التوحيد وما نبهوا عليه قائم معهم فلا عذر لهم في الإعراض عنه والاقتداء بالآباء، كما لا عذر لآبائهم في الشرك وأدلة التوحيد منصوبة لهم ﴿ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [الأعراف : ١٧٣] أي كانوا السبب في شركنا لتأسيسهم الشرك وتركه سنة لنا ﴿ وَكَذالِكَ ﴾ ومثل ذلك التفصيل البليغ ﴿ نُفَصِّلُ الايَـاتِ ﴾ [يونس : ٢٤] لهم ﴿ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأعراف : ١٧٤] عن شركهم نفصلها.
إلى هذا ذهب المحققون من أهل التفسير، منهم الشيخ أبو منصور والزجاج والزمخشري، وذهب جمهور المفسرين إلى أن الله تعالى أخرج
١٢٣


الصفحة التالية
Icon