فيدخل في حيز الصلة أي الذين جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم، أو منقطع عن الصلة أي وما ظلموا إلا أنفسهم بالتكذيب، وتقديم المفعول به للاختصاص أي وخصوا أنفسهم بالظلم لم يتعد إلى غيرها ﴿ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِى ﴾ [الأعراف : ١٧٨] حمل على اللفظ ﴿ وَمَن يُضْلِلِ ﴾ [النساء : ٨٨] أي ومن يضلله ﴿ فَأُوالَـائكَ هُمُ الْخَـاسِرُونَ ﴾ [البقرة : ١٢١] حمل على المعنى، ولو كان الهدي من الله البيان كما قالت المعتزلة، لاستوى الكافر والمؤمن إذ البيان ثابت في حق الفريقين فدل أنه من الله تعالى التوفيق والعصمة والمعونة، ولو كان ذلك للكافر لاهتدى كما اهتدى المؤمن.
﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالانسِ ﴾ [الأعراف : ١٧٩] هم الكفار من الفريقين المعروضون عن تدبر آيات الله، والله تعالى علم منهم اختيار الكفر فشاء منهم الكفر وخلق فيهم ذلك وجعل مصيرهم جهنم لذلك.
ولا تنافي بين هذا وبين قوله ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات : ٥٦] (الذاريات : ٦٥) لأنه إنما خلق منهم للعبادة من علم أنه يعبده، وأما من علم أنه يكفر به فإنما خلقه لما علم أنه يكون منه.
فالحاصل أن من علم منه
١٢٥
في الأزل أنه يكون منه العبادة خلقه للعبادة، ومن علم منه أن يكون منه الكفر خلقه لذلك، وكم من عامٍ يراد به الخصوص وقول المعتزلة بأن هذه لام العاقبة أي لما كان عاقبتهم جهنم جعل كأنهم خلقوا لها فراراً عن إرادة المعاصي عدول عن الظاهر ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف : ١٧٩] الحق ولا يتفكرون فيه ﴿ وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف : ١٧٩] الرشد ﴿ وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَآ ﴾ [الأعراف : ١٧٩] الوعظ ﴿ أؤلئك كَالانْعَـامِ ﴾ [الأعراف : ١٧٩] في عدم الفقه والنظر الاعتبار والاستماع للتفكر ﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ [الأعراف : ١٧٩] من الأنعام لأنهم كابروا العقول وعاندوا الرسول وارتكبوا الفضول، فالأنعام تطلب منافعها وتهرب عن مضارها وهم لا يعلمون مضارهم حيث اختاروا النار، وكيف يستوي المكلف المأمور والمخلى المعذور؟ فالآدمي روحاني شهواني سماوي أرضي، فإن غلب روحه هواه فاق ملائكة السماوات، وإن غلب هواه روحه فاقته بهائم الأرض ﴿ أؤلئك هُمُ الْغَـافِلُونَ ﴾ [الأعراف : ١٧٩] الكاملون في الغفلة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٢٢
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٢٦
﴿ وَلِلَّهِ الاسْمَآءُ الْحُسْنَى ﴾ [الأعراف : ١٨٠] التي هي أحسن الأسماء لأنها تدل على معانٍ حسنة ؛ فمنها ما يستحقه بحقائقه كالقديم قبل كل شيء، والباقي بعد كل شيء، والقادر على كل شيء، والعالم بكل شيء، والواحد الذي ليس كمثله شيء، ومنها ما تستحسنه الأنفس لآثارها كالغفور والرحيم والشكور والحليم، ومنها ما يوجب التخلق به كالفضل والعفو، ومنها ما يوجب مراقبة الأحوال كالسميع والبصير والمقتدر، ومنها ما يوجب الإجلال كالعظيم والجبار والمتكبر ﴿ فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف : ١٨٠] فسموه بتلك الأسماء ﴿ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَـائهِ ﴾ [الأعراف : ١٨٠] واتركوا تسمية الذين يميلون عن الحق والصواب فيها فيسمونه بغير الأسماء الحسنى، وذلك أن يسموه بما لا يجوز عليه نحو أن يقولون : يا سخي يا رفيق، لأنه لم يسم نفسه بذلك.
ومن الإلحاد تسميته بالجسم والجوهر والعقل والعلة ﴿ يُلْحِدُونَ ﴾ حمزة لحد وألحد مال ﴿ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف : ١٨٠].
﴿ وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ ﴾ [الأعراف : ١٨١] للجنة لأنه في مقابلة ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ ﴾ [الأعراف : ١٧٩] ﴿ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأعراف : ١٥٩] في أحكامهم.
قيل : هم العلماء والدعاة إلى الدين، وفيه دلالة على أن إجماع كل عصر حجة
١٢٦


الصفحة التالية
Icon