لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فقسمه بين المسلمين على السواء ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الانفال : ١] فيما أمرتم به في الغنائم وغيرها ﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة : ٩١] كاملي الإيمان ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [الحجرات : ١٠] إنما الكاملو الإيمان ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الانفال : ٢] فزعت لذكره استعظاماً له وتهيباً من جلاله وعزه وسلطانه ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَـاتُهُ ﴾ [الانفال : ٢] أي القرآن ﴿ زَادَتْهُمْ إِيمَـانًا ﴾ [الانفال : ٢] ازدادوا بها يقيناً وطمأنينة، لأن تظاهر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لقدمه، أو زادتهم إيماناً بتلك الآيات لأنهم لم يؤمنوا بأحكامها قبل ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الانفال : ٢] يعتمدون ولا يفوضون أمورهم إلى غير ربهم لا يخشون ولا يرجون إلا إياه ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ جمع بين أعمال القلوب من الوجل والإخلاص والتوكل، وبين أعمال الجوارح من الصلاة والصدقة ﴿ أؤلئك هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴾ [الانفال : ٤] هو صفة مصدر محذوف أي أولئك هم المؤمنون إيماناً حقاً، أو هو مصدر مؤكد للجملة التي هي ﴿ أؤلئك هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [الانفال : ٤] كقولك " هو عبد الله حقاً " أي حق ذلك حقاً.
وعن الحسن رحمه الله أن رجلاً سأله أمؤمن أنت؟ قال : إن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن، وإن كنت تسألني عن قوله :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [الحجرات : ١٠] الآية.
فلا أدري أنا منهم أم لا.
وعن الثوري : من زعم أنه مؤمن بالله حقاً ثم لم يشهد أنه من أهل الجنة فقد آمن بنصف الآية، أي كما لا يقطع بأنه من أهل ثواب المؤمنين حقاً فلا يقطع بأنه مؤمن حقاً، وبهذا يتشبث من يقول أنا مؤمن إن شاء الله.
وكان أبو حنيفة رحمه الله لا يقول ذلك.
وقال لقتادة : لم تستثني في إيمانك؟ قال : اتباعاً لإبراهيم في قوله ﴿ وَالَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيائَتِى يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشعراء : ٨٢] (الشعراء : ٢٨) فقال له : هلا
١٣٥
اقتديت به في قوله ﴿ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى ﴾ [البقرة : ٢٦٠] (البقرة : ٦٢)، وعن إبراهيم التيمي : قل أنا مؤمن حقاً فإن صدقت أثبت عليه، وإن كذبت فكفرك أشد من كذبك.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : من لم يكن منافقاً فهو مؤمن حقاً.
وقد احتج عبد الله على أحمد فقال : إيش اسمك؟ فقال : أحمد، فقال : أتقول أنا أحمد حقاً أو أنا أحمد إن شاء الله؟ فقال : أنا أحمد حقاً.
فقال : حيث سماك والداك لا تستثني وقد سماك الله في القرآن مؤمناً تستثني.
﴿ لَّهُمْ دَرَجَـاتٌ ﴾ [الانفال : ٤] مراتب بعضها فوق بعض على قدر الأعمال ﴿ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ ﴾ [الانفال : ٤] وتجاوز لسيئاتهم ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الانفال : ٤] صافٍ عن كد الاكتساب وخوف الحساب.
الكاف في ﴿ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ ﴾ [الانفال : ٥] في محل النصب على أنه صفة لمصدر الفعل المقدر، والتقدير : قل الأنفال استقرت لله والرسول وثبتت مع كراهتهم ثباتاً مثل ثبات إخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون ﴿ مِن بَيْتِكَ ﴾ [الانفال : ٥] يريد بيته بالمدينة، أو المدينة نفسها لأنها مهاجرة ومسكنة فهي في اختصاصها به كاختصاص البيت بساكنه ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ إخراجاً متلبساً بالحكمة والصواب ﴿ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَـارِهُونَ ﴾ [الانفال : ٥] في موضع الحال أي أخرجك في حال كراهتهم.
وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام فيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكباً منهم أبو سفيان، فأخبر جبريل النبي عليه السلام فأخبر أصحابه فأعجبهم تلقي العير لكثرة الخير وقلة القوم، فلما خرجوا علمت قريش بذلك فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة وهو النفير في المثل السائر : لا في العير ولا في النفير.
فقيل له : إن العير أخذت طريق الساحل ونجت، فأبى وسار بمن
١٣٦


الصفحة التالية
Icon