معه إلى بدر ـ وهو ماء كانت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوماً في السنة ـ ونزل جبريل عليه اللام فقال : يا محمد، إن الله وعدكم إحدى الطائفتين، إما العير وإما قريشاً.
فاستشار النبي صلى الله عليه وسلّم أصحابه وقال العير أحب إليكم أم النفير " ؟ قالوا : بل العير أحب إلينا من لقاء العدو.
فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم ردّد عليهم فقال :" إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل " فقالوا : يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو.
فقام عند غضب النبي صلى الله عليه وسلّم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فأحسنا، ثم قام سعد بن عبادة فقال انظر أمرك فامض، فوالله لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار.
ثم قال المقداد بن عمرو : امض لما أمرك الله فإنا معك حيث أحببت، لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى :﴿ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَـاتِلا إِنَّا هَـاهُنَا قَـاعِدُونَ ﴾ (المائدة : ٤٢).
ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.
ما دامت عين منا تطرف، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقال سعد بن معاذ : امض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، فسر بنا على بركة الله.
ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونشطه قول سعد ثم قال :" سيروا على بركة الله أبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم " وكانت الكراهة من بعضهم لقوله ﴿ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَـارِهُونَ ﴾ [الانفال : ٥] قال الشيخ أبومنصور رحمه الله : يحتمل أنهم منافقون كرهوا ذلك اعتقاداً، ويحتمل أن يكونوا مخلصين، وأن يكون ذلك كراهة طبع لأنهم غير متأهبين له.
١٣٧
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣٤
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣٨
﴿ يُجَـادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ ﴾ [الانفال : ٦] الحق الذي جادلوا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم تلقي النفير لإيثارهم عليه تلقي العير ﴿ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ ﴾ [الانفال : ٦] بعد إعلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأنهم ينصرون وجدالهم قولهم ما كان خروجنا إلا للعير، وهلا قلت لنا لنستعد وذلك لكراهتهم القتال ﴿ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ﴾ [الانفال : ٦] شبه حالهم في فرط فزعهم وهم يسار بهم إلى الظفر والغنيمة بحال من يعتل إلى القتل ويساق على الصغار إلى الموت وهو مشاهد لأسبابه ناظر إليها لا يشك فيها.
وقيل : كان خوفهم لقلة العدد وإنهم كانوا رجالة وماكان فيهم إلا فارسان ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّآ ـاِفَتَيْنِ ﴾ " إذ " منصوب بـ " اذكر " و ﴿ إِحْدَى ﴾ مفعول ثانٍ ﴿ أَنَّهَا لَكُمْ ﴾ [الانفال : ٧] بدل من ﴿ إِحْدَى الطَّآ ـاِفَتَيْنِ ﴾ [الانفال : ٧] وهما العير والنفير والتقدير : وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم ﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ﴾ [الانفال : ٧] أي العير وذات الشوكة ذات السلاح، والشوكة كانت في النفير لعددهم وعدتهم أي تتمنون أن تكون لكم العير لأنها الطائفة التي لا سلاح لها ولا تريدون الطائفة الأخرى ﴿ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ ﴾ [الانفال : ٧] أي يثبته ويعليه ﴿ بِكَلِمَـاتِهِ ﴾ بآياته المنزلة في محاربة ذات الشوكة وبما أمر الملائكة من نزولهم للنصرة، وبما قضى من قتلهم وطرحهم في قليب بدر ﴿ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَـافِرِينَ ﴾ [الانفال : ٧] آخرهم والدابر الآخر فاعل من دبر إذا أدبر.
وقطع الدابر عبارة عن الاستئصال يعني أنكم تريدون الفائدة العاجلة، وسفساف الأمور، والله تعالى يريد معالي الأمور، ونصرة الحق، وعلو الكلمة، وشتان ما بين المرادين، ولذلك اختار لكم الطائفة ذات الشوكة وكسر قوتهم بضعفكم وأعزكم وأذلهم ﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ ﴾ [الانفال : ٨] متعلق بـ أو بمحذوف تقديره ليحق الحق ﴿ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَـاطِلَ ﴾ [الانفال : ٨] فعل ذلك والمقدر متأخر ليفيد الاختصاص أي ما فعله إلا لهما، وهو إثبات الإسلام وإظهاره، وإبطال الكفر، ومحقه، وليس هذا بتكرار لأن الأول تمييز بين
١٣٨
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣٨