﴿ فَوْقَ الاعْنَاقِ ﴾ [الانفال : ١٢] أي أعالي الأعناق التي هي المذابح تطييراً للرؤوس، أو أراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق يعني ضرب الهام ﴿ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الانفال : ١٢] هي الأصابع يريد الأطراف، والمعنى فاضربوا المقاتل والشوي لأن الضرب إما أن يقع على مقتل أو غير مقتل، فأمرهم أن يجمعوا عليهم النوعين ﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العاجل وهو
١٤٠
مبتدأ خبره ﴿ بِأَنَّهُمْ شَآقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الانفال : ١٣] أي ذلك العقاب وقع عليهم بسبب مشاقتهم أي مخالفتهم وهي مشتقة من الشق لأن كلا المتعاديين في شق خلاف شق صاحبه، وكذا المعاداة والمخاصمة لأن هذا في عدوة وخصم أي جانب وذاك في عدوة وخصم ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الانفال : ١٣] والكاف في ذلك لخطاب الرسول أو لكل أحد، وفي ﴿ ذَالِكُمْ ﴾ للكفرة على طريقة الالتفات، ومحله الرفع على " ذلكم العقاب أو العقاب " ﴿ ذَالِكُمْ فَذُوقُوهُ ﴾ [الانفال : ١٤].
والواو في ﴿ وَأَنَّ لِلْكَـافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ ﴾ [الانفال : ١٤] بمعنى " مع " أي ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة فوضع الظاهر موضع الضمير.
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا ﴾ حال من ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النمل : ٦٧].
والزحف الجيش الذي يرى لكثرته كأنه يزحف أي يدب دبيباً من زحف الصبي إذا دب على استه قليلاً قليلاً سمي بالمصدر ﴿ فَلا تُوَلُّوهُمُ الادْبَارَ ﴾ [الانفال : ١٥] فلا تنصرفوا عنهم منهزمين أي إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير وأنتم قليل، فلا تفروا فضلاً أن تدانوهم في العدد أو تساووهم، أو حال من المؤمنين أو من الفريقين أي إذا لقيتموهم متزاحفين هم وأنتم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣٨
﴿ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَـاـاِذٍ دُبُرَهُا إِلا مُتَحَرِّفًا ﴾ [الانفال : ١٦] مائلاً ﴿ لِّقِتَالٍ ﴾ هو الكر بعد الفر يخيل عدوه أنه منهزم ثم يعطف عليه وهو من خدع الحرب ﴿ أَوْ مُتَحَيِّزًا ﴾ [الانفال : ١٦] منضماً ﴿ إِلَى فِئَةٍ ﴾ [الانفال : ١٦] إلى جماعة من المسلمين سوى الفئة التي هو فيها وهما حالان من ضمير الفاعل في ﴿ يُوَلِّهِمْ ﴾ ﴿ الْمَصِيرُ ﴾ ووزن متحيز " متفيعل " لا " متفعل "، لأنه من حاز يحوز، فبناء متفعل منه متحوز.
١٤١
ولما كسروا أهل مكة وقتلوا وأسروا وكان القاتل منهم يقول تفاخراً قتلت وأسرت قيل لهم ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـاكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ﴾ [الانفال : ١٧] والفاء جواب لشرط محذوف تقديره : إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم ولكن الله قتلهم.
ولما قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلّم : خذ قبضة من تراب فارمهم بها فرمى بها في وجوههم وقال " شاهت الوجوه " فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه فانهزموا قيل ﴿ وَمَا رَمَيْتَ ﴾ [الانفال : ١٧] يا محمد ﴿ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـاكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ [الانفال : ١٧] يعني أن الرمية التي رميتها أنت لم ترمها أنت على الحقيقة، لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها إلا ما يبلغه أثر رمي البشر، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم، وفي الآية بيان أن فعل العبد مضاف إليه كسباً وإلى الله تعالى خلقاً لا كما تقول الجبرية والمعتزلة، لأنه أثبت الفعل من العبد بقوله ﴿ إِذْ رَمَيْتَ ﴾ [الانفال : ١٧] ثم نفاه عنه وأثبته لله تعالى بقوله ﴿ وَلَـاكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ [الانفال : ١٧]، ﴿ وَلَـاكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ﴾ [الانفال : ١٧]، ﴿ وَلَـاكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ [الانفال : ١٧] بتخفيف ﴿ لَـاكِنِ ﴾ شامي وحمزة وعلي ﴿ وَلِيُبْلِىَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الانفال : ١٧] وليعطيهم ﴿ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا ﴾ [الانفال : ١٧] عطاء جميلاً، والمعنى وللإحسان إلى المؤمنين فعل ما فعل وما فعل إلا لذلك ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ﴾ [
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣٨


الصفحة التالية
Icon