أو لمجاهدة الكفار لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم، أو للشهادة لقوله تعالى ﴿ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ [آل عمران : ١٦٩] (آل عمران : ٩٦١) ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ [الانفال : ٢٤] أي يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص القلب، فاغتنموا هذه الفرصة وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله، أو بينه وبين ما تمناه بقلبه من طول الحياة فيفسخ عزائمه ﴿ وَأَنَّهُا إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الانفال : ٢٤] واعلموا أنكم إليه تحشرون فيثيبكم على حسب سلامة القلوب وإخلاص الطاعة ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً ﴾ [الانفال : ٢٥] عذاباً ﴿ لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَآصَّةً ﴾ [الانفال : ٢٥] هو جواب للأمر أي إن أصابتكم لا تصب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم، وجاز أن تدخل النون المؤكدة في جواب الأمر لأن فيه معنى النهي كما إذا قلت " انزل عن الدابة لا تطرحك " وجاز " لا تطرحنك ".
و " من " في ﴿ مِّنكُم ﴾ للتبعيض ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة : ١٩٦] إذا عاقب.
١٤٤
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ ﴾ [الانفال : ٢٦] " إذ " مفعول به لا ظرف أي واذكروا وقت كونكم أقلة أذلة ﴿ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى الارْضِ ﴾ [الانفال : ٢٦] أرض مكة قبل الهجرة : يستضعفكم قريش ﴿ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ﴾ [الانفال : ٢٦] لأن الناس كانوا لهم أعداء مضادين إلى المدينة ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ ﴾ [الانفال : ٢٦] بمظاهرة الأنصار وبإمداد الملائكة يوم بدر ﴿ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَـاتِ ﴾ [النحل : ٧٢] من الغنائم ولم تحل لأحد قبلكم ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة : ٥٢] هذه النعم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٤٣
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ ﴾ [الانفال : ٢٧] بأن تعطلوا فرائضه ﴿ وَالرَّسُولِ ﴾ بأن لا تستنوا به ﴿ وَتَخُونُوا ﴾ جزم عطف على ﴿ لا تَخُونُوا ﴾ [الانفال : ٢٧] أي ولا تخونوا ﴿ أَمَـانَـاتِكُمْ ﴾ فيما بينكم بأن لا تحفظوها ﴿ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ٢٢] تبعه ذلك ووباله، أو وأنتم تعلمون أنكم تخونون يعني أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو، أو وأنتم علماء تعلمون حسن الحسن وقبح القبيح، ومعنى الخون النقص كما أن معنى الإيفاء التمام، ومنه تخوّنه إذا انتقصه، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء، لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَـادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ أي سبب الوقوع في الفتنة وهي الإثم والعذاب، أو محنة من الله ليبلوكم كيف تحافظون فيهم على حدوده ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الانفال : ٢٨] فعليكم أن تحرصوا على طلب ذلك وتزهدوا في الدنيا ولا تحرصوا على جمع المال وحب الولد ﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا ﴾ نصراً لأنه يفرق بين الحق والباطل، وبين الكفر بإذلال حزبه والإسلام بإعزاز أهله، أو بياناً وظهوراً يشهر أمركم ويبث صيتكم وآثاركم في أقطار الأرض من قولهم " سطع الفرقان " أي طلع الفجر، أو مخرجاً من الشبهات وشرحاً للصدور، أو تفرقة بينكم وبين غيركم من أهل الأديان وفضلاً ومزية في الدنيا والآخرة ﴿ وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ [الانفال : ٢٩] أي الصغائر
١٤٥


الصفحة التالية
Icon