﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَـانُ أَعْمَـالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [الانفال : ٤٨] واذكر إذ زين لهم الشيطان أعمالهم التي عملوها في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ووسوس إليهم أنهم لا يغلبون.
وغالب مبني نحو " لا رجل " و ﴿ لَكُمُ ﴾ في موضع رفع خبر " لا ".
تقديره : لا غالب كائن لكم ﴿ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ﴾ [الانفال : ٤٨] أي مجير لكم أوهمهم أن طاعة الشيطان مما يجيرهم ﴿ فَلَمَّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ ﴾ [الانفال : ٤٨] فلما تلاقى الفريقان ﴿ نَكَصَ ﴾ الشيطان هارباً ﴿ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ [آل عمران : ١٤٤] أي رجع القهقري ﴿ وَقَالَ إِنِّي بَرِى ءٌ مِّنكُمْ ﴾ [الانفال : ٤٨] أي رجعت عما ضمنت لكم من الأمان.
روي أن إبليس تمثل لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم في جند من الشياطين معه راية، فلما رأى الملائكة تنزل نكص فقال له الحارث بن هشام : أتخذلنا في هذه الحالة؟ فقال :﴿ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ ﴾ [الانفال : ٤٨] أي الملائكة وانهزموا فلما بلغوا مكة قالوا : هزم الناس سراقة.
فبلغ ذلك سراقة فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم، فلما أسلموا علموا أنه الشيطان ﴿ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ ﴾ [المائدة : ٢٨] أي عقوبته ﴿ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [آل عمران : ١١]
١٥٤
اذكروا ﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَـافِقُونَ ﴾ [الانفال : ٤٩] بالمدينة ﴿ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ [الانفال : ٤٩] هو من صفة المنافقين، أو أريد والذين هم على حرف ليسوا بثابتي الأقدام في الإسلام ﴿ غَرَّ هؤلاء دِينُهُمْ ﴾ [الانفال : ٤٩] يعنون أن المسلمين اغتروا بدينهم فخرجوا وهم ثلثمائة وبضعة عشر إلى زهاء ألف.
ثم قال جواباً لهم ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الانفال : ٤٩] يكل إليه أمره ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾ [الانفال : ٤٩] غالب يسلط القليل الضعيف على الكثير القوي ﴿ حَكِيمٌ ﴾ لا يسوي بين وليه عدوه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٢
﴿ وَلَوْ تَرَى ﴾ [الأنعام : ٩٣] ولو عاينت وشاهدت لأن " لو " ترد المضارع إلى معنى الماضي كما ترد " إن " الماضي إلى معنى الاستقبال ﴿ إِذِ ﴾ نصب على الظرف ﴿ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الانفال : ٥٠] بقبض أرواحهم ﴿ الْمَلَـائكَةِ ﴾ فاعل ﴿ يَضْرِبُونَ ﴾ حال منهم ﴿ وُجُوهَهُمْ ﴾ إذا أقبلوا ﴿ وَأَدْبَـارَهُمْ ﴾ ظهورهم وأستاههم إذا أدبروا، أو وجوههم عند الإقدام وأدبارهم عند الانهزام.
وقيل : في ﴿ يَتَوَفَّى ﴾ ضمير الله تعالى، و ﴿ الْمَلَـائكَةِ ﴾ مرفوعة بالابتداء و ﴿ يَضْرِبُونَ ﴾ خبر والأول الوجه، لأن الكفار لا يستحقون أن يكون الله متوفيهم بلا واسطة دليلة قراءة ابن عامر بالتاء ﴿ وَأَدْبَـارَهُمْ وَذُوقُوا ﴾ [الانفال : ٥٠] ويقولون لهم ذوقوا معطوف على ﴿ يَضْرِبُونَ ﴾ ﴿ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [آل عمران : ١٨١] أي مقدمة عذاب النار، أو ذوقوا عذاب الآخرة بشارة لهم به، أو يقال لهم يوم القيامة : ذوقوا.
وجواب " لو " محذوف أي لرأيت أمراً فظيعاً.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٢
﴿ ذَالِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [آل عمران : ١٨٢] أي كسبت وهو رد على الجبرية، وهو من كلام الله تعالى أو من كلام الملائكة.
و ﴿ ذَالِكَ ﴾ رفع بالابتداء و ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ ﴾ [آل عمران : ١٨٢] خبره ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ ﴾ [المائدة : ٩٧] عطف عليه أي ذلك العذاب بسببين : بسبب كفركم ومعاصيكم، وبأن الله ﴿ لَيْسَ بِظَلَّـامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ [آل عمران : ١٨٢] لأن تعذيب الكفار من العدل.
وقيل : ظلام للتكثير لأجل العبيد، أو لنفي أنواع الظلم.
١٥٥


الصفحة التالية
Icon