الكاف في ﴿ كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ ﴾ [آل عمران : ١١] في محل الرفع أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون، ودأبهم عادتهم وعملهم الذي دأبوا فيه أي داوموا عليه ﴿ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [الدخان : ٣٧] من قبل قريش أو من قبل آل فرعون ﴿ كَفَرُوا ﴾ تفسير لدأب آل فرعون ﴿ بِـاَايَـاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ والمعنى جروا على عادتهم في التكذيب فأجرى عليه مثل ما فعل بهم في التعذيب ﴿ ذَالِكَ ﴾ العذاب أو الانتقام ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ [الانفال : ٥٣] بسبب أن الله لم يصح في حكمته أن يغير نعمته عند قوم حتى يغيروا مابهم من الحال، نعم لم يكن لآل فرعون ومشركي مكة حال مرضية فيغيروها إلى حال مسخوطة، لكن لما تغيرت الحال المرضية إلى المسخوطة تغيرت الحال المسخوطة إلى أسخط منها، وأولئك كانوا قبل بعثة الرسول إليهم كفرة عبدة أصنام، فلما بعث إليهم بالآيات فكذبوه وسعوا في إراقة دمه، غيروا حالهم إلى أسوأ مما كانت فغير الله ما أنعم به عليهم من الإمهال وعاجلهم بالعذاب ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ﴾ [الحج : ٦١] لما يقولوا مكذبو الرسل ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بما يفعلون ﴿ كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ ﴾ [آل عمران : ١١] تكرير للتأكيد، أو لأن في الأولى الأخذ بالذنوب بلا بيان ذلك، وهنا بين أن ذلك هو الإهلاك والاستئصال ﴿ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِ رَبِّهِمْ ﴾
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٢
وفي قوله ﴿ بِـاَايَـاتِ رَبِّهِمْ ﴾ [الانفال : ٥٤] زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق ﴿ فَأَهْلَكْنَـاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآ ءَالَ فِرْعَونَ ﴾ [الانفال : ٥٤] بماء البحر ﴿ وَكُلٌّ ﴾ وكلهم من غرقى القبط وقتلى قريش ﴿ كَانُوا ظَـالِمِينَ ﴾ [الانفال : ٥٤] أنفسهم بالكفر والمعاصي.
﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ﴾ [الانفال : ٢٢] أي أصروا على الكفر فلا يتوقع منهم الإيمان ﴿ الَّذِينَ عَـاهَدتَّ مِنْهُمْ ﴾ [الانفال : ٥٦] بدل من ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النمل : ٦٧] أي الذين عاهدتهم من
١٥٦
الذين كفروا وجعلهم شر الدواب، لأن شر الناس الكفار وشر الكفار المصرون وشر المصرين الناكثون للعهود ﴿ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ﴾ [الانفال : ٥٦] في كل معاهدة ﴿ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ ﴾ [الانفال : ٥٦] لا يخافون عاقبة الغدر ولا يبالون بما فيه من العار والنار.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٢
﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى الْحَرْبِ ﴾ [الانفال : ٥٧] فإما تصادفنهم وتظفرن بهم ﴿ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ ﴾ [الانفال : ٥٧] ففرق من محاربتك ومناصبتك بقتلهم شر قتلة والنكاية فيهم من وراءهم من الكفرة حتى لا يجسر عليك بعدهم أحد اعتباراً بهم واتعاظاً بحالهم.
وقال الزجاج : افعل بهم ما تفرق به جمعهم وتطرد به من عداهم ﴿ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف : ٢٦] لعل المشردين من ورائهم يتعظون
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٧


الصفحة التالية
Icon