الانفال : ٦٣] بفضله ورحمته وجمع بين كلمتهم بقدرته، فأحدث بينهم التوادّ والتحابّ وأماط عنهم التباغض والتماقت ﴿ إِنَّهُ عَزِيزٌ ﴾ يقهر من يخدعونك ﴿ حَكِيمٌ ﴾ ينصر من يتبعونك.
﴿ حَكِيمٌ * يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الواو بمعنى " مع " وما بعده منصوب، والمعنى كفاك وكفى المؤمنين الله ناصراً.
ويجوز أن يكون في محل الرفع أي كفاك الله وكفاك أتباعك من المؤمنين.
قيل : أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلّم ثلاثة وثلاثون رجلاً وست نسوة ثم أسلم عمر فنزلت ﴿ الْمُؤْمِنِينَ * يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ﴾ التحريض المبالغة في الحث على الأمر من الحرض وهو أن ينهكه المرض حتى يشفي على الموت ﴿ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَـابِرُونَ يَغْلِبُوا مِا ئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ مِّا ئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الانفال : ٦٥] هذه عدة من الله وبشارة بأن الجماعة من المؤمنين إن صبروا غلبوا عشرة أمثالهم من الكفار بعون الله وتأييده ﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ﴾ [الانفال : ٦٥] بسبب أن الكفار قوم جهلة يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب كالبهائم فيقل ثباتهم ويعدمون لجهلهم بالله نصرته، بخلاف من يقاتل على بصيرة وهو يرجو النصر من الله.
قيل : كان عليهم أن لا يفروا ويثبت الواحد للعشرة، ثم ثقل عليهم ذلك فنسخ وخفف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين بقوله
١٥٩
﴿ الْـاَـانَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ﴾ [الانفال : ٦٦] ﴿ ضَعْفًا ﴾ عاصم وحمزة ﴿ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّا ئَةٌ صَابِرَةٌ ﴾ [الانفال : ٦٦] بالياء فيهما : كوفي، وافقه البصري في الأولى والمراد الضعف في البدن ﴿ يَغْلِبُوا مِا ئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّـابِرِينَ ﴾ [الانفال : ٦٦] وتكرير مقاومة الجماعة لأكثر منها مرتين قبل التخفيف وبعده، للدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة لا تتفاوت، إذ الحال قد تتفاوت بين مقاومة العشرين المائتين والمائة الألف، وكذلك بين مقاومة المائة المائتين والألف الألفين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٧
﴿ مَا كَانَ لِنَبِىٍّ ﴾ [الانفال : ٦٧] ما صح له ولا استقام ﴿ أَن يَكُونَ لَهُا أَسْرَى ﴾ [الانفال : ٦٧] ﴿ أَن تَكُونَ ﴾ [النحل : ٩٢] : بصري ﴿ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الارْضِ ﴾ [الانفال : ٦٧] الإثخان كثرة القتل والمبالغة فيه من الثخانة وهي الغلظ والكثافة حتى يذل الكفر بإشاعة القتل في أهله، ويعز الإسلام بالاستيلاء والقهر، ثم الأسر بعد ذلك.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أتى بسبعين أسيراً ـ فيهم العباس عمه وعقيل ـ فاستشار النبي عليه السلام أبا بكر فيهم فقال : قومك وأهلك، استبقهم لعل الله يتوب عليهم وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك.
وقال عمر رضي الله عنه : كذبوك وأخرجوك فقدمهم واضرب أعناقهم فإن هؤلاء أئمة الكفر، وإن الله أغناك عن الفداء، مكن علياً من عقيل، وحمزة من العباس، ومكني من فلان لنسيب له، فلنضرب
١٦٠
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٠