أعناقهم.
فقال عليه السلام :" مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم حيث قال ﴿ وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [إبراهيم : ٣٦] (إبراهيم : ٦٣) ومثلك يا عمر كمثل نوح حيث قال ﴿ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الارْضِ مِنَ الْكَـافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ [نوح : ٢٦] (نوح : ٦٢).
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لهم :" إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدّتهم " فقالوا : بل نأخذ الفداء فاستشهدوا بأحد فلما أخذوا الفداء نزلت الآية ﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا ﴾ [الانفال : ٦٧] متاعها يعني الفداء سماه عرضاً لقلة بقائه وسرعة فنائه ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ الاخِرَةَ ﴾ [الانفال : ٦٧] أي ما هو سبب الجنة من إعزاز الإسلام بالإثخان في القتل ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ﴾ [البقرة : ٢٢٨] يقهر الأعداء ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في عتاب الأولياء.
﴿ لَّوْلا كِتَـابٌ مِّنَ اللَّهِ ﴾ [الانفال : ٦٨] لولا حكم من الله ﴿ سَبَقَ ﴾ أن لا يعذب أحداً على العمل بالاجتهاد وكان هذا اجتهاداً منهم لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سبباً في إسلامهم، وأن فداءهم يتقوى به على الجهاد، وخفي عليهم إن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم، أو ما كتب الله في اللوح أن لا يعذب أهل بدر، أو ألا يؤاخذ قبل البيان والإعذار.
وفيما ذكر من الاستشارة دلالة على جواز الاجتهاد فيكون حجة على منكري القياس.
﴿ كِتَـابِ ﴾ مبتدأ و ﴿ مِّنَ اللَّهِ ﴾ [الجن : ٢٢] صفته أي لولا كتاب ثابت من الله و ﴿ سَبَقَ ﴾ صفة أخرى له، وخبر المبتدأ محذوف أي لولا كتاب بهذه الصفة في الوجود، و ﴿ سَبَقَ ﴾ لا يجوز أن يكون خبراً لأن " لولا " أبداً ﴿ لَمَسَّكُمْ ﴾ لنالكم وأصابكم ﴿ فِيمَآ أَخَذْتُمْ ﴾ [الانفال : ٦٨] من فداء الأسرى ﴿ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة : ٧] روي أن عمر رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال : يا رسول الله أخبرني فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت.
فقال :" أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة " لشجرة قريبة منه.
وروي أنه عليه السلام قال :" لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ " لقوله كان الإثخان في القتل أحب إليّ
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٠
﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ ﴾ [الانفال : ٦٩] روي أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدوا أيديهم
١٦٢