﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ ﴾ [المؤمنون : ٤١] أي صيحة جبريل صاح عليهم فدمرهم ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ بالعدل من الله يقال فلان يقضي بالحق أي بالعدل ﴿ فَجَعَلْنَـاهُمْ غُثَآءً ﴾ [المؤمنون : ٤١] شبههم في دمارهم بالغثاء وهو حميل السيل مما يلي واسودّ من الورق والعيدان ﴿ فَبُعْدًا ﴾ فهلاكاً يقال بعد بعداً أو بعداً أي هلك وهو من المصادر المنصوبة بأفعال لا يستعمل إظهارها ﴿ لِّلْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ ﴾ [يونس : ٨٥] بيان لمن دعي عليه بالبعد نحو ﴿ هَيْتَ لَكَ ﴾ [يوسف : ٢٣] ﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا ءَاخَرِينَ ﴾ [المؤمنون : ٤٢] قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم ﴿ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ ﴾ [الحجر : ٥] " من " صلة أي ما تسبق أمة ﴿ أَجَلَهَا ﴾ المكتوب لها أو الوقت الذي حدد لهلاكها وكتب ﴿ وَمَا يَسْتَـاْخِرُونَ ﴾ لا يتأخرون عنه.
﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا ﴾ فعلى والألف للتأنيث كسكرى لأن الرسل جماعة ولذا لا ينون لأنه غير منصرف تترى بالتنوين : مكي وأبو عمرو ويزيد على أن الألف للإلحاق كأرطى، وهو نصب على الحال في القراءتين أي متتابعين واحداً بعد واحد، وتاؤها فيهما بدل من الواو والأصل و " ترى " من الوتر وهو الفرد فقلبت الواوتاء كتراث ﴿ كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ﴾ الرسول يلابس المرسل والمرسل إليه والإضافة تكون بالملابسة فتصح إضافته إليهما ﴿ فَأَتْبَعْنَا ﴾ الأمم والقرون ﴿ بَعْضَهُم بَعْضًا ﴾ [فاطر : ٤٠] في الهلاك ﴿ وَجَعَلْنَـاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾ [المؤمنون : ٤٤] أخباراً يسمع بها ويتعجب منها، والأحاديث تكون اسم جمع للحديث ومنه أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، وتكون جمعاً للأحدوثة وهي ما يتحدث به الناس تلهياً وتعجباً وهو المراد هنا ﴿ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون : ٤٤] به ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَـارُونَ ﴾ [المؤمنون : ٤٥] بدل من أخاه بأياتنا التسع ﴿ وَسُلْطَـانٍ مُّبِينٍ ﴾ [هود : ٩٦] وحجة ظاهرة.
١٨٠
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٠
﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلايْهِ فَاسْتَكْبَرُوا ﴾ امتنعوا عن قبول الإيمان ترفعاً وتكبراً ﴿ وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ ﴾ [المؤمنون : ٤٦] متكبرين مترفعين ﴿ فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا ﴾ [المؤمنون : ٤٧] البشر يكون واحداً وجمعاً ومثل وغير يوصف بهما الاثنان والجمع والمذكر والمؤنث ﴿ وَقَوْمُهُمَا ﴾ أي بنو إسرائيل ﴿ لَنَا عَـابِدُونَ ﴾ [المؤمنون : ٤٧] خاضعون مطيعون وكل من دان لملك فهو عابد له عند العرب ﴿ فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ ﴾ [المؤمنون : ٤٨] بالغرق.
﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ﴾ [الإسراء : ١٠١] أي قوم موسى ﴿ الْكِتَـابَ ﴾ التوراة ﴿ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [الأنبياء : ٣١] يعملون بشرائعها ومواعظها ﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُا ءَايَةً ﴾ [المؤمنون : ٥٠] تدل على قدرتنا على ما نشاء لأنه خلق من غير نطفة وحد، لأن الأعجوبة فيهما واحدة، أو المراد وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها ﴿ وَءَاوَيْنَـاهُمَآ ﴾ جعلنا مأواهما أي منزلهما ﴿ إِلَى رَبْوَةٍ ﴾ [المؤمنون : ٥٠] شامي وعاصم.
ربوة غيرهما أي أرض مرتفعة وهي بيت المقدس أو دمشق أو الرملة أو مصر ﴿ ذَاتِ قَرَارٍ ﴾ [المؤمنون : ٥٠] مستقر من أرض مستوية منبسطة أو ذات ثمار وماء يعني أنه لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها ﴿ وَمَعِينٍ ﴾ وماء ظاهر جارٍ على وجه الأرض وهو مفعول أي مدرك بالعين بظهوره من عانه إذا أدركه بعينه، لأنه نفاع بظهوره وجريه من الماعون وهي المنفعة ﴿ يَـا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَـاتِ ﴾ [المؤمنون : ٥١] هذا النداء والخطاب ليسا على ظاهرهما لأنهم أرسلوا متفرقين في أزمنة مختلفة، وإنما المعنى الإعلام بأن كل رسول في زمانه نودي بذلك ووصى به ليعتقد السامع أن أمراً نودي له جميع الرسل ووصوا به حقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه، أو هو خطاب لمحمد عليه الصلاة والسلام لفضله وقيامه مقام الكل في زمانه وكان يأكل من الغنائم، أو لعيسى عليه السلام لاتصال الآية بذكره وكان يأكل من غزل أمه وهو أطيب الطيبات، والمراد بالطيبات ما حل والأمر للتكليف أو ما يستطاب ويستلذ والأمر للترفيه والإباحة ﴿ وَاعْمَلُوا صَـالِحًا ﴾ [المؤمنون : ٥١] موافقاً للشريعة
١٨١