﴿ وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ﴾ [المؤمنون : ٦٢] أي طاقتها يعني أن الذي وصف به الصالحون غير خارج عن حد الوسع والطاقة، وكذلك كل ما كلفه عباده وهو رد على من جوز تكليف ما لا يطاق ﴿ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ ﴾ [المؤمنون : ٦٢] أي اللوح أو صحيفة الأعمال ﴿ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾ [المؤمنون : ٦٢] لا يقرؤون منه يوم القيامة إلا ما هو صدق وعدل لا زيادة فيه ولا نقصان، ولا يظلم منهم أحد بزيادة عقاب أو نقصان ثواب أو بتكليف ما لا وسع له به ﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَةٍ مِّنْ هَـاذَا ﴾ [المؤمنون : ٦٣] بل قلوب الكفرة في غفلة غامرة لها مما عليه هؤلاء الموصوفون من المؤمنين ﴿ وَلَهُمْ أَعْمَـالٌ مِّن دُونِ ذَالِكَ ﴾ [المؤمنون : ٦٣] أي ولهم أعمال خبيثة متجاوزة متخطية لذلك أي لما وصف به المؤمنون ﴿ هُمْ لَهَا عَـامِلُونَ ﴾ [المؤمنون : ٦٣] وعليها مقيمون لا يفطمون عنها حتى يأخذهم الله بالعذاب ﴿ حَتَّى إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم ﴾ [المؤمنون : ٦٤] متنعميهم ﴿ بِالْعَذَابِ ﴾ عذاب الدنيا وهو القحط
١٨٣
سبع سنين حين دعا عليهم النبي عليه الصلاة والسلام، أو قتلهم يوم بدر.
و " حتى " هي التي يبتدأ بعدها الكلام والكلام الجملة الشرطية ﴿ حَتَّى إِذَآ أَخَذْنَا ﴾ [المؤمنون : ٦٤] يصرخون استغاثة والجؤار الصراخ باستغاثة فيقال لهم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٣
﴿ لا تَجْـاَرُوا الْيَوْمَ ﴾ [المؤمنون : ٦٥] فإن الجؤار غير نافع لكم ﴿ إِنَّكُم مِّنَّا لا تُنصَرُونَ ﴾ [المؤمنون : ٦٥] أي من جهتنا لا يلحقكم نصر أو معونة.
﴿ قَدْ كَانَتْ ءَايَـاتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ [المؤمنون : ٦٦] أي القرآن ﴿ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَـابِكُمْ تَنكِصُونَ ﴾ [المؤمنون : ٦٦] ترجعون القهقرى والنكوص أن يرجع القهقرى وهو أقبح مشية لأنه لا يرى ما وراءه.
﴿ مُسْتَكْبِرِينَ ﴾ متكبرين على المسلمين حال من تنكصون ﴿ بِهِ ﴾ بالبيت أو بالحرم لأنهم يقولون لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم، والذي سوغ هذا الإضمار شهرتهم بالاستكبار بالبيت أو بـ آياتي لأنها في معنى كتابي، ومعنى استكبارهم بالقرآن تكذيبهم به استكباراً.
ضمن مستكبرين معنى مكذبين فعدي تعديته أو يتعلق الباء بقوله ﴿ سَـامِرًا ﴾ تسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه، وكانوا يجتمعون حول البيت يسمرون وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته شعراً وسحراً.
والسامر نحو الحاضر في الإطلاق على الجمع وقرىء سمّارا.
أو بقوله ﴿ تَهْجُرُونَ ﴾ وهو من الهجر الهذيان تهجرون : نافع من أهجر في منطقه إذا أفحش ﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ﴾ [المؤمنون : ٦٨] أفلم يتدبروا القرآن ليعلموا أنه الحق المبين فيصدقوا به وبمن جاء به ﴿ أَمْ جَآءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءَابَآءَهُمُ الاوَّلِينَ ﴾ [المؤمنون : ٦٨] بل أجاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين فلذلك أنكروه واستبدعوه ﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾ [المؤمنون : ٦٩] محمداً بالصدق والأمانة ووفور العقل وصحة النسب وحسن الأخلاق أي عرفوه بهذه الصفات ﴿ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ [المؤمنون : ٦٩] بغياً وحسداً ﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةُ ﴾ [المؤمنون : ٧٠] جنون وليس كذلك لأنهم يعلمون أنه أرجحهم عقلاً وأثقبهم ذهناً ﴿ بَلْ جَآءَهُم بِالْحَقِّ ﴾ [المؤمنون : ٧٠] الأبلج والصراط المستقيم وبما خالف
١٨٤
شهواتهم وأهواءهم وهو التوحيد والإسلام ولم يجدوا له مرداً ولا مدفعاً فلذلك نسبوه إلى الجنون ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَـارِهُونَ ﴾ [المؤمنون : ٧٠] وفيه دليل على أن أقلهم ما كان كارهاً للحق بل كان تاركاً للإيمان به أنفة واستنكافاً من توبيخ قومه وأن يقولوا صبأ وترك دين آبائه كأبي طالب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٤