﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ ﴾ [المؤمنون : ٧١] أي الله ﴿ أَهْوَآءَهُمْ ﴾ فيما يعتقدون من الآلهة ﴿ لَفَسَدَتِ السَّمَـاوَاتُ وَالارْضُ ﴾ [المؤمنون : ٧١] كما قال ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء : ٢٢] ﴿ وَمَن فِيهِنَّ ﴾ [المؤمنون : ٧١] خص العقلاء بالذكر لأن غيرهم تبع ﴿ بَلْ أَتَيْنَـاهُم بِذِكْرِهِمْ ﴾ [المؤمنون : ٧١] بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أو شرفهم لأن الرسول منهم والقرآن بلغتهم، أو بالذكر الذي كانوا يتمنونه ﴿ وَإِن كَانُوا لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًا مِّنَ الاوَّلِينَ ﴾ الآية.
﴿ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون : ٧١] بسوء اختيارهم ﴿ أَمْ تَسْـاَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾ [المؤمنون : ٧٢] حجازي وبصري وعاصم، خرجا فخرج شامي، خراجا فخراج علي وحمزة، وهو ما تخرجه إلى الإمام من زكاة أرضك وإلى كل عامل من أجرته وجعله، والخرج أخص من الخراج تقول " خراج القرية وخرج الكوفة " فزيادة اللفظ لزيادة المعنى ولذا حسنت لقراءة الأولى يعني أم تسألهم على هدايتك لهم قليلاً من عطاء الخلق فالكثير من الخالق خير ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [المؤمنون : ٧٢] أفضل المعطين ﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [المؤمنون : ٧٣] وهو الإسلام فحقيق أن يستجيبوا لك.
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَـاكِبُونَ ﴾ [المؤمنون : ٧٤] لعادلون عن هذا الصراط المذكور وهو الصراط المستقيم ﴿ وَلَوْ رَحِمْنَـاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ ﴾ [المؤمنون : ٧٥] لما أخذهم الله بالسنين حتى أكلوا
١٨٥
العلهز جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال له : أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ فقال :" بلى " فقال : قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فنزلت الآية.
والمعنى لو كشف الله عنهم هذا الضر وهو القحط الذي أصابهم برحمته لهم ووجدوا الخصب ﴿ لَّلَجُّوا ﴾ أي لتمادوا ﴿ فِي طُغْيَـانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة : ١٥] يترددون يعني لعادوا إلى ما كانوا عليه من الاستكبار وعداوة رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين، ولذهب عنهم هذا التملق بين يديه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٥
﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَـاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [المؤمنون : ٧٦] استشهد على ذلك بأنا أخذناهم أولاً بالسيوف وبما جرى عليهم يوم بدر من قتل صناديدهم وأسرهم، فما وجدت بعد ذلك منهم استكانة أي خضوع ولا تضرع.
وقوله وما يتضرعون عبارة عن دوام حالهم أي وهم على ذلك بعد ولذا لم يقل وما تضرعوا.
ووزن استكان استفعل من الكون أي انتقل من كون إلى كون كما قيل " استحال " إذا انتقل من حال إلى حال.
﴿ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا ﴾ [المؤمنون : ٧٧] فتّحنا يزيد ﴿ عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [المؤمنون : ٧٧] أي باب الجوع الذي هو أشد من الأسر والقتل ﴿ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾ [المؤمنون : ٧٧] متحيرون آيسون من كل خير.
وجاء أعتاهم وأشدهم شكيمة في العناد ليستعطفك أو محناهم بكل محنة من القتل والجوع فما رؤي فيهم لين مقادة وهم كذلك حتى إذا عذبوا بنار جهنم فحينئذ يبلسون كقوله ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الروم : ١٢] ﴿ وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالابْصَـارَ وَالافْـاِدَةَ ﴾ [المؤمنون : ٧٨] خصها بالذكر لأنها يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية ما لا يتعلق بغيرها ﴿ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف : ١٠] أي تشكرون شكراً قليلاً.
و " ما " مزيدة للتأكيد بمعنى حقاً، والمعنى إنكم لم تعرفوا عظم هذه النعم
١٨٦
ووضعتموها غير مواضعها فلم تعملوا أبصاركم وأسماعكم في آيات الله وأفعاله، ولم تستدلوا بقلوبكم فتعرفوا المنعم ولم تشركوا به شيئا
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٦


الصفحة التالية
Icon