في أول الإسلام ثم نسخ بقوله :﴿ وَأَنكِحُوا الايَـامَى مِنكُمْ ﴾ [النور : ٣٢] وقيل : المراد بالنكاح الوطء، لأن غير الزاني يستقذر الزانية ولا يشتهيها وهو صحيح لكنه يؤدي إلى قولك " الزاني لا يزني إلا بزانية والزانية لا يزنى بها إلا زان ".
وسئل صلى الله عليه وسلّم عمن زنى بامرأة ثم تزوجها فقال " أوله سفاح وآخره نكاح " ومعنى الجملة الأولى صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف ولكن في الفواجر، ومعنى الثانية صفة الزانية بكونها غير مرغوب فيها للأعفاء ولكن للزناة وهما معنيان مختلفان.
وقدمت الزانية على الزاني أولاً ثم قدم عليها ثانياً لأن تلك الآية سيقت لعقوبتهما على ما جنيا، والمرأة هي المادة التي منها نشأت تلك الجناية لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تومض له ولم تمكنه لم يطمع ولم يتمكن، فلما كانت أصلاً في ذلك بديء بذكرها.
وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه لأنه الخاطب ومنه بدء الطلب.
وقريء لا ينكح بالجزم على النهي، وفي المرفوع أيضاً معنى النهي ولكن أبلغ واكد، ويجوز أن يكون خبراً محضاً على معنى أن عادتهما جارية على ذلك وعلى المؤمن أن لا يدخل نفسه تحت هذه العادة وينتصون عنها ﴿ وَحُرِّمَ ذَالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور : ٣] أي الزنا أو نكاح البغايا لقصد التكسب بالزنا أو لما فيه من التشبيه بالفساق وحضور مواقع التهمة والتسبب لسوء القالة فيه والغيبة ومجالسة الخطائين كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام فكيف بمزاوجة الزواني والقحاب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٦
﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَـاتِ ﴾ [النور : ٤] وبكسر الصاد : علي أي يقذفون بالزنا الحرائر والعفائف المسلمات المكلفات.
والقذف يكون بالزنا وبغيره والمراد هنا قذفهن بالزنا بأن يقول يا زانية لذكر المحصنات عقيب الزواني ولاشتراط أربعة شهداء بقوله ﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ [النور : ٤] أي ثم لم يأتوا بأربعة شهود يشهدون على الزنا لأن القذف بغير الزنا بأن يقول يا فاسق يا اكل الربا يكفي فيه شاهدان وعليه التعزير.
وشروط إحصان القذف : الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والعفة عن الزنا.
والمحصن
١٩٧
كالمحصنة في وجوب حد القذف ﴿ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَـانِينَ جَلْدَةً ﴾ [النور : ٤] إن كان القاذف حراً، ونصب ثمانين نصب المصادر كما نصب مائة جلدة و جلدة نصب على التمييز ﴿ وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَـادَةً أَبَدًا ﴾ [النور : ٤] نكر شهادة في موضع النفي فتعم كل شهادة.
ورد الشهادة من الحد عندنا ويتعلق باستيفاء الحد أو بعضه على ما عرف، وعند الشافعي رحمه الله تعالى يتعلق رد شهادته بنفس القذف.
فعندنا جزاء الشرط الذي هو الرمي الجلد ورد الشهادة على التأبيد وهو مدة حياتهم ﴿ وَأُوالَـائكَ هُمُ الْفَـاسِقُونَ ﴾ [النور : ٤] كلام مستأنف غير داخل في حيز جزاء الشرط كأنه حكاية حال الرامين عند الله تعالى بعد انقضاء الجملة الشرطية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٧