﴿ لَّوْلا جَآءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ هلا جاؤوا على القذف لو كانوا صادقين بأربعة شهداء ﴿ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَآءِ ﴾ [النور : ١٣] الأربعة ﴿ فَأُوالَـائكَ عِندَ اللَّهِ ﴾ [النور : ١٣] أي في حكمه وشريعته ﴿ هُمُ الْكَـاذِبُونَ ﴾ [النحل : ١٠٥] أي القاذفون لأن الله تعالى جعل التفصلة بين الرمي الصادق والكاذب ثبوت الشهادة الشهود الأربعة وانتفاؤها، والذين رموا عائشة رضي الله عنها لم يكن لهم بينة على قولهم فكانوا كاذبين ﴿ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِى مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور : ١٤] " لولا " هذه لامتناع الشيء لوجود غيره بخلاف ما تقدم أي : ولولا أني قضيت أن أتفضل عليكم في الدنيا بضروب النعم التي من جملتها الإمهال للتوبة، وأن أترحم عليكم في الآخرة في العفو والمغفرة لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك، يقال أفاض في الحديث وخاض واندفع ﴿ إِذْ ﴾ ظرف لـ مسكم أو لـ أفضتم ﴿ تَلَقَّوْنَهُ ﴾ يأخذه بعضكم من بعض.
يقال تلقى القول وتلقنه وتلقفه ﴿ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾ أي أن بعضكم كان يقول لبعض : هل بلغك حديث عائشة؟ حتى شاع فيما بينهم وانتشر فلم يبق بيت ولا نادٍ إلا طار فيه ﴿ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ﴾ [النور : ١٥] إنما قيد بالأفواه مع أن القول لا يكون إلا بالفم لأن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب ثم يترجم عنه اللسان، وهذا الإفك ليس إلا قولاً يدور في أفواهكم من غير ترجمة عن علم به في القلب كقوله ﴿ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران : ١٦٧] ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ ﴾ أي خوضكم في عائشة رضي الله عنها ﴿ هَيِّنًا ﴾ صغيرة ﴿ وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور : ١٥] كبيرة.
وجزع بعضهم عند الموت فقيل له في ذلك فقال : أخاف ذنباً لم يكن مني على بال وهو عند الله عظيم.
٢٠٢
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٢
﴿ وَلَوْلا ﴾ وهلا ﴿ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـاذَا ﴾ [النور : ١٦] فصل بين لولا و ﴿ قُلْتُم ﴾ بالظرف لأن للظروف شأناً وهو تنزلها من الأشياء منزلة أنفسها لوقوعها فيها وأنها لا تنفك عنها فلذا يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها.
وفائدة تقديم الظرف أنه كان الواجب عليهم أن يتفادوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلم به، فلما كان ذكر الوقت أهم قدم، والمعنى هلا قلتم إذ سمعتم الإفك ما يصح لنا أن نتكلم بهذا ﴿ سُبْحَـانَكَ ﴾ للتعجب من عظم الأمر ومعنى التعجب في كلمة التسبيح أن الأصل أن يسبح الله عن رؤية العجيب من صنائعه ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه، أو لتنزيه الله من أن تكون حرمة نبيه فاجرة.
وإنما جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن تكون فاجرة لأن النبي مبعوث إلى الكفار ليدعوهم فيجب أن لا يكون معه ما ينفرهم عنه والكفر غير منفر عندهم، وأما الكشخنة فمن أعظم المنفرات ﴿ هَـاذَا بُهْتَـانٌ ﴾ [النور : ١٦] زور تبهت من يسمع ﴿ عَظِيمٌ ﴾ وذكر فيما تقدم هذا إفك مبين، ويجوز أن يكونوا أمروا بهما مبالغة في التبري ﴿ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا ﴾ [النور : ١٧] في أن تعودوا ﴿ لِمِثْلِهِ ﴾ لمثل هذا الحديث من القذف أو استماع حديثه ﴿ أَبَدًا ﴾ ما دمتم أحياء مكلفين ﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة : ٩١] فيه تهييج لهم ليتعظوا وتذكير بما يوجب ترك العود وهو الإيمان الصادّ عن كل قبيح.
﴿ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الايَـاتِ ﴾ [النور : ١٨] الدلالات الواضحات وأحكام الشرائع والاداب الجميلة ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمُ ﴾ [البقرة : ٩٥] بكم وبأعمالكم ﴿ حَكِيمٌ ﴾ يجزي على وفق أعمالكم أو علم صدق نزاهتها وحكم ببراءتها.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَـاحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [النور : ١٩] أي ما قبح جداً، والمعنى يشيعون الفاحشة عن قصد الإشاعة ومحبة لها
٢٠٣