﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَـاتِ ﴾ [النور : ٢٣] العفائف ﴿ الْغَـافِلَـاتِ ﴾ السليمات الصدور النقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر لأنهن لم يجر بن الأمور ﴿ الْمُؤْمِنَـاتِ ﴾ بما يجب الايمان به.
عن ابن عباس رضي الله عنهما : هن أزواجه عليه الصلاة والسلام.
وقيل : هن جميع المؤمنات إذ العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
وقيل : أريدت عائشة رضي الله عنها وحدها.
وإنما جمع لأن من قذف واحدة من نساء النبي عليه الصلاة والسلام فكأنه قذفهن ﴿ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور : ٢٣] جعل القذفة ملعونين في الدارين وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة إن لم يتوبوا، والعامل في ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ﴾ [النور : ٢٤] يعذبون وبالياء حمزة وعلي ﴿ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النور : ٢٤] أي بما أفكوا أو بهتوا والعامل في ﴿ يَوْمَـاـاِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ﴾ [النور : ٢٥] بالنصب صفة للدين وهو الجزاء، ومعنى الحق الثابت الذي هم أهله.
وقرأ مجاهد بالرفع صفة لله كقراءة أبيّ يوفيهم الله الحق دينهم وعلى قراءة النصب يجوز أن يكون الحق وصفاً لله بأن ينتصب على المدح ﴿ وَيَعْلَمُونَ ﴾ عند ذلك ﴿ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور : ٢٥] لارتفاع الشكوك وحصول العلم الضروري.
ولم يغلظ الله تعالى في القرآن في شيء من المعاصي تغليظه في إفك عائشة رضي الله عنها، فأوجز في ذلك وأشبع وفصل وأجمل وأكد وكرر، وما ذاك إلا لأمر.
وعن ابن عباس رضي الله عنه : من أذنب ذنباً ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة.
وهذا منه تعظيم ومبالغة في أمر الإفك.
ولقد برأ الله تعالى أربعة بأربعة : برأ يوسف عليه السلام بشاهد من أهلها، وموسى عليه السلام
٢٠٥
من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه، ومريم رضي الله عنها بإنطاق ولدها، وعائشة رضي الله عنها بهذه الآي العظام في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر بهذه المبالغات، فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك، وما ذلك إلا لإظهار علو منزلة رسوله والتنبيه على إنافة محله صلى الله عليه وسلّم وعلى آله.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٥
﴿ الْخَبِيثَـاتُ ﴾ من القول تقال ﴿ لِلْخَبِيثِينَ ﴾ من الرجال والسناء ﴿ وَالْخَبِيثُونَ ﴾ منهم يتعرضون ﴿ لِلْخَبِيثَـاتِ ﴾ من القول وكذلك ﴿ يَقُولُونَ ﴾ أي فيهم و أولئك إشارة إلى الطيبين وأنهم مبرؤون مما يقول الخبيثون من خبيثات الكلم، وهو كلام جارٍ مجرى المثل لعائشة رضي الله عنها وما رميت به من قول لا يطابق حالها في النزاهة والطيب، ويجوز أن يكون إشارة إلى أهل البيت وأنهم مبرؤون مما يقول أهل الإفك، وأن يراد بالخبيثات والطيبات النساء الخبائث يتزوجن الخباث والخباث تتزوج الخبائث وكذا أهل الطيب ﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ ﴾ [المائدة : ٩] مستأنف أو خبر بعد خبر ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الانفال : ٤] في الجنة.
ودخل ابن عباس رضي الله عنهما على عائشة رضي الله عنها في مرضها وهي خائفة من القدوم على الله تعالى فقال : لا تخافي لأنك لا تقدمين إلا على مغفرة ورزق كريم وتلا الآية فغشي عليها فرحاً بما تلا.
وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : لقد أعطيت تسعاً ما أعطيتهن امرأة، نزل جبريل بصورتي في راحته حين أمر عليه الصلاة والسلام إن يتزوجني، وتزوجني بكراً وما تزوج بكراً غيري، وتوفي عليه الصلاة والسلام ورأسه في حجري، وقبر في بيتي(١)، وينزل عليه الوحي وأنا في لحافه وأنا ابنة خليفته وصديقه، ونزل عذري من السماء، وخلقت طيبة عند طيب، ووعدت مغفرة ورزقاً كريماً.
وقال حسان معتذراً في حقها :
حصانٌ رزانٌ ما تزن بريبة وتسبح غرثى من لحوم الغوافل حليلة خير الناس ديناً ومنصباً نبي الهدى والمكرمات الفواضل عقيلة حيّ من لؤي بن غالب
كرام المساعي مجدها غير زائل
٢٠٦
مهذبة قد طيب الله خيرها
وطهرها من كل شين وباطل
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٦