﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ﴾ [النور : ٢٧] أي بيوتاً لستم تملكونها ولا تسكنونها ﴿ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ﴾ [النور : ٢٧] أي تستأذنوا، عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد قرأ به، والاستئناس في الأصل الاستعلام والاستكشاف استفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً أي حتى تستعلموا أيطلق لكم الدخول أم لا، وذلك بتسبيحة أو بتكبيرة أو بتحميدة أو بتنحنح ﴿ وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾ [النور : ٢٧] والتسليم أن يقول السلام عليكم أأدخل ثلاث مرات، فإن أذن له وإلا رجع، وقيل : إن تلاقيا يقدم التسليم وإلا فالاستئذان ﴿ ذَالِكُمْ ﴾ أي الاستئذان والتسليم ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [البقرة : ١٨٤] من تحية الجاهلية والدمور وهو الدخول بغير إذن فكأن الرجل من أهل الجاهلية إذا دخل بيت غيره يقول حييتم صباحاً وحييتم مساء ثم يدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد ﴿ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام : ١٥٢] أي قيل لكم هذا لكي تذكروا وتتعظوا وتعملوا ما أمرتم به في باب الاستئذان ﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَآ ﴾ [النور : ٢٨] في البيوت ﴿ أَحَدًا ﴾ من الاذنين ﴿ فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ [النور : ٢٨] حتى تجدوا من يأذن لكم، أو فإن لم تجدوا فيها أحداً من أهلها ولكم فيها حاجة فلا تدخولها إلا بإذن أهلها لأن التصرف في ملك الغير لا بد من أن يكون برضاه ﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا ﴾ [النور : ٢٨] أي إذا كان فيها قوم فقالوا ارجعوا ﴿ فَارْجِعُوا ﴾ ولا تلحوا في إطلاق الإذن ولا تلجوا في تسهيل الحجاب ولا تقفوا على الأبواب، لأن هذا مما يجلب الكراهة فإذا نهى عن ذلك لأدائه إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من قرع الباب بعنف والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك، وعن أبي عبيد : ما قرعت باباً على عالم قط.
﴿ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ﴾ [النور : ٢٨] أي الرجوع أطيب وأطهر لما فيه من سلامة الصدور والبعد عن الريبة أو أنفع وأنمى خيراً ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ٢٨٣] وعيد للمخاطبين بأنه عالم بما يأتون وما يذرون مما خوطبوا به فموف جزاءه عليه.
٢٠٧
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٧
﴿ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا ﴾ [النور : ٢٩] في أن تدخلوا ﴿ بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ﴾ [النور : ٢٩] استثنى من البيوت التي يجب الاستئذان على داخلها ما ليس بمسكون منها كالخانات والربط وحوانيت التجار ﴿ فِيهَا مَتَـاعٌ لَّكُمْ ﴾ [النور : ٢٩] أي منفعة كالاستكنان من الحر والبرد وإيواء الرحال والسلع والشراء والبيع.
وقيل : الخربات يتبرز فيها والمتاع التبرز ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ [المائدة : ٩٩] وعيد للذين يدخلون الخربات والدور الخالية من أهل الريبة ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَـارِهِمْ ﴾ [النور : ٣٠] " من " للتبعيض والمراد غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل ﴿ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ [النور : ٣٠] عن الزنا ولم يدخل " من " هنا لأن الزنا لا رخصة فيه بوجه، ويجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفها وقدميها في رواية، وإلى رأس المحارم والصدر والساقين والعضدين
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٨
﴿ ذَالِكَ ﴾ أي غض البصر وحفظ الفرج ﴿ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ [النور : ٣٠] أي أطهر من دنس الاثم ﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور : ٣٠] فيه ترغيب وترهيب يعني أنه خبير بأحوالهم وأفعالهم وكيف يجيلون أبصارهم يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فعليهم إذا عرفوا ذلك أن يكونوا منه على تقوى وحذر في كل حركة وسكون.
﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَـاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور : ٣١] أمرن بغض الأبصار فلا يحل للمرأة أن تنظر من الأجنبي إلى ما تحت سرته إلى ركبتيه، وإن اشتهت غضت بصرها رأساً ولا تنظر إلى المرأة إلا إلى مثل ذلك وغض بصرها من الأجانب أصلاً أولى بها.
وإنما قدم غض الأبصار على حفظ الفروج لأن النظر بريد
٢٠٨


الصفحة التالية
Icon