التي يحسبها تنفعه عند الله وتنجيه من عذابه، ثم يخيب في العاقبة أمله ويلقى خلاف ما قدر بسراب يراه الكافر بالساهرة وقد غلبه عطش يوم القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجد ما رجاه ويجد زبانية الله عنده يأخذونه فيعتلونه إلى جهنم فيسقونه الحميم والغساق وهم الذين قال الله فيهم :﴿ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ﴾ [الغاشية : ٣].
﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف : ١٠٤].
قيل : نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية كان يترهب ملتمساً للدين في الجاهلية فلما جاء الإسلام كفر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٧
﴿ أَوْ كَظُلُمَـاتٍ فِى بَحْرٍ ﴾ [النور : ٤٠] " أو " هنا كـ " أو " في ﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ ﴾ [البقرة : ١٩] ﴿ لُّجِّىٍّ ﴾ عميق كثير الماء منسوب إلى اللج وهو معظم ماء البحر ﴿ يَغْشَـاـاهُ ﴾ يغشى البحر أو من فيه يعلوه ويغطيه ﴿ مَوْجٌ ﴾ هو ما ارتفع من الماء ﴿ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ ﴾ [النور : ٤٠] أي من فوق الموج موج آخر ﴿ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ﴾ [النور : ٤٠] من فوق الموج الأعلى سحاب ﴿ ظُلُمَـاتُ ﴾ أي هذه ظلمات ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة البحر ﴿ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾ [النور : ٤٠] ظلمة الموج على ظلمة البحر وظلمة الموج على الموج وظلمة السحاب على الموج ﴿ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ ﴾ [النور : ٤٠] أي الواقع فيه ﴿ لَمْ يَكَدْ يَرَاـاهَا ﴾ [النور : ٤٠] مبالغة في لم يرها أي لم يقرب أن يراها فضلاً عن أن يراها، شبه أعمالهم أولاً في فوات نفعها وحضور ضررها بسراب لم يجد من خدعه من بعيد شيئاً ولم يكفه خيبة وكمداً أن لم يجد شيئاً كغيره من السراب حتى وجد عنده الزبانية تعتله إلى النار، وشبهها ثانياً في ظلمتها وسوادها لكونها باطلة وفي خلوها عن نور الحق بظلمات متراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب ﴿ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ ﴾ [النور : ٤٠] من لم يهده الله لم يهتد عن الزجاج في الحديث " خلق الله الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل ".
٢١٨
﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ [الحج : ٦٣] ألم تعلم يا محمد علماً يقوم مقام العيان في الإيقان ﴿ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَالطَّيْرُ ﴾ [النور : ٤١] عطف على من ﴿ صَـافَّـاتٍ ﴾ حال من الطير أي يصففن أجنحتهن في الهواء ﴿ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ﴾ [النور : ٤١] الضمير في علم لـ كل أو لله، وكذا في صلاته وتسبيحه.
والصلاة الدعاء ولم يبعد أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التي لايكاد العقلاء يتهتدون إليها ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [النور : ٤١] لا يعزب عن علمه شيء
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٨


الصفحة التالية
Icon