﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [آل عمران : ١٨٩] لأنه خالقهما ومن ملك شيئاً فبتمليكه إياه ﴿ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران : ٢٨] مرجع الكل ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِى ﴾ [النور : ٤٣] يسوق إلى حيث يريد ﴿ سَحَابًا ﴾ جمع سحابة دليله ﴿ ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ﴾ [النور : ٤٣] وتذكيره للفظ أي يضم بعضه إلى بعض ﴿ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا ﴾ [النور : ٤٣] متراكماً بعضه فوق بعض ﴿ فَتَرَى الْوَدْقَ ﴾ [النور : ٤٣] المطر ﴿ يَخْرُجُ مِنْ خِلَـالِهِ ﴾ [الروم : ٤٨] من فتوقه ومخارجه جمع خلل كجبال في جبل ﴿ وَيُنَزِّلُ ﴾ وينزل مكي ومدني وبصري ﴿ مِنَ السَّمَآءِ ﴾ [الشعراء : ٤] لابتداء الغاية لأن ابتداء الإنزال من السماء ﴿ مِن جِبَالٍ ﴾ [النور : ٤٣] " من " للتبعيض لأن ما ينزله الله بعض تلك الجبال التي ﴿ فِيهَآ ﴾ في السماء ﴿ مِن بَرَدٍ ﴾ [النور : ٤٣] للبيان أو الأوليان للابتداء والآخرة للتبعيض، ومعناه أنه ينزل البرد من السماء من جبال فيها.
وعلى الأول مفعول ينزل من جبال أي بعض جبال فيها ومعنى من جبال فيها من برد أن يخلق الله في السماء جبال برد كما خلق في الأرض جبال حجر أو يريد الكثرة بذكر الجبال كما يقال " فلان يملك جبالاً من ذهب " ﴿ فَيُصِيبُ بِهِ ﴾ [النور : ٤٣] بالبرد ﴿ مَن يَشَآءُ ﴾ [آل عمران : ١٣] أي يصيب الإنسان وزرعه ﴿ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ ﴾ [النور : ٤٣-٤٠] فلا يصيبه أو يعذب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء فلا يعذبه ﴿ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ ﴾ [النور : ٤٣] ضوؤه ﴿ يَذْهَبُ بِالابْصَـارِ ﴾ [النور : ٤٣]
٢١٩
يخطفها به ﴿ يَذْهَبُ ﴾ يزيد على زيادة الباء
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٩
﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ [النور : ٤٤] يصرفهما في الاختلاف طولاً وقصراً أو التعاقب ﴿ إِنَّ فِى ذَالِكَ ﴾ [السجدة : ٢٦] في إزجاء السحاب وإنزال الودق والبرد وتقليب الليل والنهار ﴿ لَعِبْرَةً لاوْلِى الابْصَـارِ ﴾ [آل عمران : ١٣] لذوي العقول.
وهذا من تعديد الدلائل على ربوبيته حيث ذكر تسبيح من في السماوات والأرض وما يطير بينهما ودعاءهم له وتسخير السحاب إلى آخر ما ذكر، فهي براهين لائحة على وجوده ودلائل على صفاته لمن نظر وتدبر.
ثم بين دليلاً آخر فقال تعالى.
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ ﴾ [النور : ٤٥] خالق كل حمزة وعلي ﴿ دَآبَّةٍ ﴾ كل حيوان يدب على وجه الأرض ﴿ مِّن مَّآءٍ ﴾ [الطارق : ٦] أي من نوع من الماء مختص بتلك الدابة أو من ماء مخصوص وهو النطفة، ثم خالف بين المخلوقات من النطفة فمنها هوام ومنها بهائم ومنها أناسي وهو كقوله ﴿ يُسْقَى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِى الاكُلِ ﴾ [الرعد : ٤] وهذا دليل على أن لها خالقاً ومدبراً وإلا لم تختلف لإتفاق الأصل.
وإنما عرف الماء في قوله :﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ ﴾ [الأنبياء : ٣٠] لأن المقصود ثم أن أجناس الحيوان مخلوقة من جنس الماء وأنه هو الأصل وإن تخللت بينه وبينها وسائط.
قالوا : أن أول ما خلق الله الماء فخلق منه النار والريح والطين، فخلق من النار الجن، ومن الريح الملائكة، ومن الطين آدم ودواب الأرض، ولما كانت الدابة تشمل المميز وغير المميز غلب المميز فأعطى ما وراءه حكمه كأن الدواب كلهم مميزون فمن ثم قيل ﴿ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ ﴾ [النور : ٤٥] كالحية والحوت.
وسمي الزحف على البطن مشياً استعارة كما يقال في الأمر المستمر قد مشى هذا الأمر، أو على طرائق المشاكلة لذكر الزاحف مع الماشين ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْنِ ﴾ [النور : ٤٥] كالإنسان والطير ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى أَرْبَعٍ ﴾ [النور : ٤٥] كالبهائم وقدم ما هو أعرق في القدرة وهو الماشي
٢٢٠
بغير آلة مشي من أرجل أو غيرها ثم الماشي على رجلين ثم الماشي على أربع ﴿ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَآءُ ﴾ [النور : ٤٥] كيف يشاء ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة : ٢٠] لا يتعذر عليه شيء.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٠