﴿ لَّقَدْ أَنزَلْنَآ ءَايَـاتٍ مُّبَيِّنَـاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ﴾ [النور : ٤٦] بلطفه ومشيئته ﴿ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة : ١٤٢] إلى دين الإسلام الذي يوصل إلى جنته والآيات لإلزام حجته لما ذكر إنزال الآيات، ذكر بعدها افتراق الناس إلى ثلاث فرق : فرقة صدقت ظاهراً وكذبت باطناً وهم المنافقون، وفرقة صدقت ظاهراً وباطناً وهم المخلصون، وفرقة كذبت ظاهراً وباطناً وهم الكافرون على هذا الترتيب.
وبدأ بالمنافقين فقال :﴿ وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ ﴾ [النور : ٤٧] بألسنتهم ﴿ وَأَطَعْنَا ﴾ الله والرسول ﴿ ثُمَّ يَتَوَلَّى ﴾ [النور : ٤٧] يعرض عن الانقياد لحكم الله ورسوله ﴿ فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَالِكَ ﴾ [النور : ٤٧] أي من بعد قولهم آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ﴿ وَمَآ أؤلئك بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة : ٤٣] أي المخلصين وهو إشارة إلى القائلين امنا، وأطعنا، لا إلى الفريق المتولي وحده.
وفيه إعلام من الله بأن جميعهم منتفٍ عنهم الإيمان لاعتقادهم ما يعتقد هؤلاء والإعراض وإن كان من بعضهم فالرضا بالإعراض من كلهم.
﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [النور : ٤٨] أي إلى رسول الله كقولك " أعجبني زيد وكرمه " تريد كرم زيد ﴿ لِيَحْكُمَ ﴾ الرسول ﴿ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ ﴾ [النور : ٤٨] أي فاجأ من فريق منهم الإعراض نزلت في بشر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض فجعل اليهودي يجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمنافق إلى كعب بن الأشرف ويقول : إن محمداً يحيف علينا ﴿ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ ﴾ [النور : ٤٩] أي إذا كان الحق لهم على غيرهم ﴿ يَأْتُوا إِلَيْهِ ﴾ [النور : ٤٩] إلى الرسول ﴿ مُذْعِنِينَ ﴾ حال أي مسرعين في الطاعة طلباً لحقهم لا رضا بحكم رسولهم.
قال الزجاج : الإذعان الإسراع مع الطاعة.
والمعنى أنهم لمعرفتهم أنه ليس
٢٢١
معك إلا الحق المر والعدل البحث يمتنعون عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحق لئلا تنتزعه من أحداقهم بقضائك عليهم لخصومهم، وإن ثبت لهم حق على خصم أسرعوا إليك ولم يرضوا إلا بحكومتك لتأخذ لهم ما وجب لهم في ذمة الخصم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢١
﴿ أَفِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ﴾ [النور : ٥٠] قسم الأمر في صدودهم عن حكومته إذا كان الحق عليهم بأن يكونوا مرضى القلوب منافقين أو مرتابين في أمر نبوته أو خائفين الحيف في قضائه.
ثم أبطل خوفهم حيفه بقوله ﴿ بَلْ أؤلئك هُمُ الظَّـالِمُونَ ﴾ [النور : ٥٠] أي لا يخافون أن يحيف عليهم لمعرفتهم بحاله وإنما هم ظالمون يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم، وذلك شيء لا يستطيعونه في مجلس رسول الله عليه الصلاة والسلام فمن ثم يأبون المحاكمة إليه.
﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور : ٥١] وعن الحسن قول بالرفع، والنصب أقوى لأن أولى الاسمين بكونه اسماً لكان أوغلهما في التعريف وأن يقولوا أوغل بخلاف قول المؤمنين ﴿ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ ﴾ [النور : ٥١] النبي عليه الصلاة والسلام ليحكم أي ليفعل الحكم ﴿ بَيْنَهُمْ ﴾ بحكم الله الذي أنزل عليه ﴿ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا ﴾ [النور : ٥١] قوله ﴿ وَأَطَعْنَا ﴾ أمره ﴿ وَأُوالَـائكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة : ٥] الفائزون ﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ ﴾ [النساء : ٦٩] في فرائضه ﴿ وَرَسُولُهُ ﴾ في سننه ﴿ وَيَخْشَ اللَّهَ ﴾ [النور : ٥٢] على ما مضى من نوبه ﴿ وَيَتَّقْهِ ﴾ فيما يستقبل ﴿ فَأُوالَـائكَ هُمُ الْفَآ ـاِزُونَ ﴾ [النور : ٥٢] وعن بعض الملوك أنه سأل عن آية كافية فتليت له هذه الآية.
وهي جامعة لأسباب الفوز ويتقه بسكون الهاء : أبو عمرو وأبو بكر بنية الوقف، وبسكون القاف وبكسر الهاء مختلسة : حفص، وبكسر القاف والهاء، غيرهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٢
﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـانِهِمْ ﴾ [الأنعام : ١٠٩] أي حلف المنافقون بالله جهد اليمين لأنهم
٢٢٢